للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [الأحزاب: ٧]، وقال تعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣]، وأشير إليهم في آخر سورة الأحقاف، قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [نهاية الأحقاف]، وثمة أقوال أخرى في تعيينهم.

أما أول الرسل، فقيل آدم ، وقيل نوح ، وهذا هو الذي دل عليه حديث الشفاعة الذي في الصحيح، فقد خاطب فيه آدم أهل الموقف بقوله: «إئتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض»، أما قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣]، فلا دلالة فيه على أن آدم ليس برسول، لأن الغرض ليس استغراق ذكر الرسل كما هو صريح قوله تعالى بعد: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٤]، بل المقصود تهديد المختطبين بالهلاك بذكر أن نوحا أول نبي أهلك الله قومه بسبب عصيانهم، ولأن الناس متفقون على حصول الوحي لآدم، والمذكور في الآية بدأ من نوح إنما هو الوحي، فلا يؤخذ بمفهومها.

والذي يظهر والله أعلم أن آدم رسول، لكنه لما كان أول البشر لم يرسل إلى قوم كبقية الرسل، فانحصرت رسالته في زوجه وولده، ولم يكن قومه كفارا كما هو الشأن فيمن جاء بعده من الرسل، فإن الناس يولدون على الفطرة، وقال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٣]، وقد قال ابن عباس في تفسيرها إنه «كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيئين مبشرين ومنذرين»، رواه ابن جرير، وروي عنه ما يخالفه، قال ابن كثير: والقول الأول عن ابن عباس أصح سندا ومعنى، فنوح هو أول رسول إلى أهل الأرض بهذا المعنى.

ودلّ ما في قصة ابني آدم وهما هابيل وقابيل أن الدين كان معروفا عندهم، فقد كانوا يعرفون التقرب إلى الله، والخوف منه، وأنه تعالى إنما يتقبل من المتقين، ويعلمون حرمة القتل، ويعرفون الجنة والنار، دل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>