عموم الناس لكن بحسب الاستطاعة، فإن المسلم إذا لم يقدر على تغيير المنكر بالفعل كما هو الحال اليوم غالبا، فليكتف بالقول، فإن عجز عن القول فبقلبه، كأن يحدث نفسه بأنه لو كان قادرا على ذلك لفعل، ويكره الفعل والفاعل، وقد أشار المؤلف بقوله هذا إلى قول رسول الله ﷺ:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي سعيد الخدري ﷺ، ومن لم ينكر بقلبه ورضي بما يعلم أنه منكر؛ فهو كافر لقوله ﷺ:«وذلك أضعف الإيمان»، قال في الاختيارات الفقهية:«والمرتد من أشرك بالله تعالى، أو كان مبغضا للرسول ﷺ، أو ترك إنكار المنكر بقلبه … »، انتهى.
ويشترط في الإنكار العلم بأنه منكر، وأن لا يؤدي تغييره إلى منكر أعظم منه، وهذان الشرطان لا بد منهما، وإلا كان التغيير محرما، والثالث أن يظن أن إنكاره مزيل له أو مخفف منه، أو مؤد إلى تحصيله، فإذا لم يتوفر هذا الشرط سقط الإيجاب، ويبقى ما دونه كما قال ابن شاس ﵀ في الجواهر، ولا يشترط ائتمار الآمر بما يأمر ولا انتهاؤه عما عنه ينهى، فإن العدالة إنما تشترط في نقل الأخبار والشهادات، ولأن المؤمن وإن عصى بترك المأمور أو بفعل المحظور فهو على إقراره بأن ما يصنعه معصية، إذ المستحل مرتد، وعن سعيد بن جبير قال:«لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر، قال مالك وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء»؟، انتهى، وهو في تفسير القرطبي.
وقد بين الله ما استحق به بنو إسرائيل اللعن بقوله: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)﴾ [المائدة: ٧٨ - ٧٩]، لكن ائتمار الآمر وانتهاءه شرط كمال، ويشتد الأمر بالنسبة لمن انتصبوا للدعوة إلى الله تعالى، قال الله تعالى حكاية عن نبيه شعيب ﷺ: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)﴾ [هود: ٨٨]، وقال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا