﵁، فالظاهر أن الإمام مالكا إنما يريد الإسراع في التلاوة مع الترتيل، وهو المسمى عند القراء بالحدر، ويريد بالترتيل الذي ذكره قدرا زائدا من الترسل، وقد كان الإمام يكره التطريب في القراءة.
قال ابن حبيب: كره مالك النبر والتحقيق في القراءة في الصلاة وغيرها، وليس ذلك من شأن الفقهاء والفصحاء.
وقال أيضا:«وكره مالك أن يمد القراءة، أو يطرب تطريبا فاحشا»، وأنت ترى ما آل إليه الأمر الآن من التنطع في القراءة، بالتكلف في مخارج الحروف، والمبالغة في التطريب، والقراءة بأوجه عدة لغير التعليم، واستحداث أمور على وجه الاستحسان من بعض القراء يستبعد أن تكون مما كان عليه الأمر في عهد السلف، فإن التكلف فيها ظاهر، وكل هذا يدلك على أن أئمة الهدى يبصرهم الله تعالى ويهديهم إلى إنكار المخالفات ولما تزل في بدايتها بحيث لا يتفطن لها إلا أولو الأبصار، وما أقلهم في هذه الأعصار.
وروى الترمذي (٤٤٥) عن بهز بن حكيم قال كان زرارة بن أوفى قاضي البصرة، فكان يؤم في بني قشير، فقرأ يوما في صلاة الصبح من سورة المدثر: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)﴾ [المدَّثر: ٨ - ١٠] فخر ميتا، وكنت فيمن احتمله إلى داره»، وذكره ابن كثير في التفسير.
وقال المباركفوري في التحفة بعد ذكر هذا الأثر:«وكذلك وقع لآخرين أنهم ماتوا لسماع بعض آيات القرآن في قيام الليل، فصلى خليد ﵀، فقرأ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]، فرددها مرارا، فناداه مناد من ناحية البيت: كم تردد هذه الآية؟، فلقد قتلت بها أربعة نفر من الجن، لم يرفعوا رؤوسهم إلى السماء حتى ماتوا من تردادك هذه الآية»، فوله خليد بعد ذلك ولها شديدا، حتى أنكره أهله كأنه ليس الذي كان»، وله وزنه كفرح، ومعناه هنا التحير من شدة الوجد، وسمع آخر قارئا يقرأ: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٠] الآية، فصرخ واضطرب حتى مات، وسمع آخر قارئا يقرأ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)﴾ [التحريم: ٦]، فمات لأن مرارته تفطرت، وقيل لفضيل بن عياض: