الغيلة بكسر الغين المعجمة اسم هيئة من الاغتيال، وقتل الغيلة هو القتل في خفية، وهو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، كذا في النهاية، وقيل ولأجل أخذ المال، فهذا لا عفو فيه لا من القتيل ولا من أوليائه ولا من الحاكم.
ولو قدم المؤلف الكلام على العفو قبل ذكر ما لا عفو فيه لكان أولى، فإن الله تعالى كما شرع القصاص وجعله شرعا لازما فإنه جعل العفو عن القاتل إلى أولياء المقتول، فإن تمسكوا بحقهم في القَوَد فلا بد منه، إذ به تستل سخائم القلوب وتهدأ نار التارات والرغبة في الانتقام، وإن عفوا كلهم أو بعضهم زال الداعي إلى القصاص لأن القتل لا يتجزأ، قال تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)﴾ [البقرة: ١٧٨]، وقال النبي ﷺ:«من قُتِلَ له قَتِيلٌ فهو بِخَيْر النَّظَرَيْن: إما أن يقتل وإما أن يفدى»، رواه الشيخان عن أبي هريرة، وقال أيضا:«مَنْ قَتَلَ متعمدا دُفِعَ إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قَتَلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم»، وذلك لتشديد العقل، رواه الترمذي (١٣٨٧) وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
ومع أن ولي المقتول مخير فقد رغب الشرع في العفو كما تقدم في كلام الله تعالى، وقال ﵊ وعلى آله:«ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، رواه مسلم عن أبي هريرة.
وقد كانت شريعة اليهود لا عفو فيها كما في سِفْرِ الخروج الإصحاح الثالث، قال ابن عباس: «كان في بني إسرائيل القصاص، ولم يكن فيهم الدية، فقال الله تعالى لهذه الأمة ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ [البقرة: ١٧٨]، ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾، قال: فالعفو أن يقبل في العمد الدية، والاتباع بالمعروف يتبع الطالب