١٧ - «وما وهبه لابنه الصغير فحيازته له جائزة إذا لم يسكن ذلك أو يلبسه إن كان ثوبا، وإنما يحوز له ما يعرف بعينه».
لما كان الولد الصغير - ومثله السفيه - لا قدرة له على حيازة ما يهبه له والده فإن حيازة الأب كافية في تمام الهبة، لأن الأب هو الذي يحوز لمحجوره.
وقد ذكروا لصحة حيازة الوالد لولده شروطا ثلاثة:
أحدها: أن يشهد على الهبة كي تثبت، وقد جاء ذلك في كلام لعثمان ﵁ سيأتي.
والثاني: أن لا يستعمل الوالد ما وهبه لابنه، كأن يسكن الدار أو يلبس الثوب، لأن حيازة الأب لابنه على خلاف الأصل، وقد أضيف إلى ذلك ما يدل على استمرار الملكية.
والثالث: أن يهب له ما يعرف بعينه كأن يقول وهبتك داري أو أرضي ويعينها أما إن كان لا يعرف ولم يضعه عند غيره حتى مات أو فقد الأهلية بجنون أو فلس فإن الهبة تبطل.
والدليل على كفاية حيازة الوالد لولده الصغير أنه لو لم يعتبر ذلك كافيا فإما أن يقال إن هبته لولده الصغير لا تشرع أصلا، وهذا باطل، وإما أن يقال يلزمه أن يضع ما وهبه لابنه عند غيره كي تتم الهبة، وهذا فيه تفضيل غير الوالد عليه في رفقه وعطفه على ولده.
ثم وقفت على ما جاء في أثر لعثمان بن عفان ﵁ وهو قوله:«أحق من يحوز عن الصبي أبوه»، إذ روى عبد الرزاق عن عروة أخبرني المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاريِّ أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول:«ما بال أقوام ينتحلون أولادهم، فإذا مات الابن قال الأب: مالي وفي يدي، وإذا مات الأب قال: كنت نحلت ابني كذا وكذا، لا تحل إلا لمن حازه وقبضه عن أبيه»، قال الزهري: فأخبرني سعيد بن المسيب قال: فلما أتى عثمان شكي ذلك إليه فقال عثمان: نظرنا في هذه النحول فرأينا أحق من يحوز عن الصبي أبوه»، ورواه مالك (١٤٣٥) نحوه دون كلام الزهري في قصة عثمان، وروى مالك (١٤٥٧) أيضا عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان أنه قال: «من نحل ولدا صغيرا لم يبلغ أن يحوز فأعلن بها وأشهد عليها فهي جائزة، وإن وليها أبوه».