للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصف المؤخر، ثم صلى بهم الركعة الثانية، فركعوا جميعا ورفعوا من الركوع، ثم سجد الصف المقدم، وتأخر، وتقدم الصف المؤخر، فسجد، وأتم بهم الإمام الصلاة جميعا، وردت هذه الصفة في حديث أبي عياش الزرقي عند أبي داود (١٢٣٦)، وقال الراوي في آخره فصلاها في عسفان، وصلاها يوم بني سليم.

وقد ترجم أبو داود لثمانية أنواع منها، واختار الأئمة منها ما رأوه راجحا، ومنهم من سوغ مع ذلك صلاتها على أي كيفية ثبتت عن النبي ، والذي يظهر أن النبي كان يعلم أصحابه الكيفية التي سيصليها بها لأنها غير معهودة عندهم، ولذلك نص العلماء على مطلوبية تعليم الإمام الجنود كيفيتها، ومن طالع أنواعها، وقف على تنظيم بديع، وترتيب دقيق في الالتحاق بالإمام، والانصراف إلى الحراسة، مع أن المجاهد في صلاة ثم يعود إليها دون أن يكون في ذلك الشغل الكثير انقطاع لها، وفي بعضها التناوب في الاقتداء بالإمام في الركعة الواحدة كما علمت مما لا يشك معه أن هذا التنظيم مراد مقصود في حالة الحرب، حتى يكون الجنود على أتم استعداد وهم في الصلاة، فكيف بهم في غيرها؟، ولو كنت ممن يحبون التمثيل، ويرون مشروعيته؛ لتمنيت أن تمثل بعض أنواع هذه الصلاة للمسلمين.

وصلاة الخوف تؤدى في المذهب على ثلاثة أنحاء، اثنان منها روايتان عن الإمام مالك، والقول الثالث لأشهب بن عبد العزيز، أما الروايتان فإحداهما فيها الكيفية التي ذكرها المصنف، وهي المشهورة، والعمدة فيها حديث يحي بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أن سهل بن أبي حثمة حدثه فذكر الكيفية من قوله، فهو موقوف كما في الموطإ (٤٤١)، أو هو مرسل صحابي وله حكم الرفع لأن هذه الكيفية مما لا يقال بالرأي، والثانية عمدتها حديث يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي يوم ذات الرقاع، وهو في الموطإ (٤٤٠)، كما رواه الشيخان.

وقد تردد مالك في الأخذ بأي من الحديثين، فروى عنه عبد الرحمن بن مهدي وابن وهب والقعنبي أنه قال أحب ما في ذلك إلي حديث يزيد بن رومان، وهو في سنن أبي داود، رجّحه لكونه مرفوعا، قالوا ثم رجع إلى حديث يحي بن سعيد عن القاسم بن محمد،

<<  <  ج: ص:  >  >>