المناسبة إخباره تعالى عن خضوع كل المخلوقات له طوعا وكرها، وسجودهم، وسجود ظلالهم له صباحا ومساء، فليكن القارئ من جملة من يسجد لله اختيارا، والسجود فيه تمام الخضوع، ولذلك كان العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، كما في سورتي الرعد والنحل، وتارة ببيان استكبار الكفار عن السجود لله، ونهيهم الناس عن أن يسجدوا له سبحانه، فيتعين على المؤمنين أن يسجدوا كي يخالفوهم ولا يطيعونهم كما في الانشقاق، ومنها إخبار من الله تعالى عن سجود أنبيائه له وسجود صالحي عباده وبكائهم إذا تليت عليهم آياته، والناس مطالبون بالاقتداء بهم كما في سورتي الإسراء ومريم، ومنها النهي عن السجود لغير الله والإخبار بأن الكفار يفعلون ذلك، بل وينهون المؤمنين عن الصلاة، فينبغي مخالفتهم بالسجود لله وحده كما في سور النمل وفصلت والعلق، وبهذا اجتمع على مشروعية السجود الإخبار بسجود العالمين، ومدح الساجدين، وذم التاركين المستكبرين، فلا يبعد مع هذا أن يقال بوجوبه لا مجرد استحبابه، والقول بوجوبه مذهب الحنفية، ويؤيد الوجوب قول النبي ﷺ:«إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: ياويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت، فلي النار»، رواه مسلم.
أما الاحتجاج على عدم الوجوب بأنها صلاة تفعل على الراحلة، وما يفعل على الراحلة لا يكون واجبا؛ فليس بمستقيم، أما أولا فللنزاع في اعتبارها صلاة، وأما ثانيا فلأنها لو كانت صلاة فإنها لا قيام فيها ولا ركوع ولا رفع منه فلا يصح قياسها على الوتر لينتج ذلك عدم وجوبها، نعم الاعتراض على ذلك بعدم سجود زيد بن ثابت ﵁ كما في الحديث المتقدم، وهكذا عمر بن الخطاب أثناء خطبة الجمعة، بمحضر الصحابة ينبغي أن ينظر فيه، والله أعلم.
وقول المصنف «فإذا سجدها قام وقرأ من الأنفال أو من غيرها ما تيسر عليه، ثم ركع وسجد»؛ يعني أن من سجد في الصلاة للتلاوة؛ يجب عليه أن يقوم ليكون ركوعه من قيام، ويستحب له أن يقرأ قبل الركوع، فإذا سجد في نهاية الأعراف؛ قام فقرأ من الأنفال أو من غيرها وركع، ومثل ذلك ما إذا سجد في سورة النجم؛ فإنه يقوم ويقرأ من أول سورة القمر أو من غيرها، ثم يركع.