١٥ - «وإنما يسهم لمن حضر القتال، أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم، ويسهم للمريض، وللفرس الرهيص».
سبق أن للمجاهدين من الغنيمة أربعة أخماسها، يأخذ كل منهم سهما أو أكثر كما سيأتي، وقد بين هنا من يسهم له، وهو من حضر القتال، فإن الغنيمة خاصة بالمقاتلين، وقال أبو بكر الصديق:«الغنيمة لمن شهد الوقعة»، رواه الشافعي، وعن عمر مثله، وقد ترجم به البخاري، ووهم القرطبي في تفسيره (١٦/ ٧) فعزاه للبخاري مرفوعا، ووقع ذلك لابن العربي في أحكام القرآن أيضا، ولا يريدون بحضور القتال؛ حضور المواجهة، بل حضور المناشبة، فمن مات قبل المناشبة؛ لم يسهم له، يقال ناشبه الحرب إذا نابذه، وكذلك يسهم لمن تخلف عن القتال لمصلحة المسلمين نحو كشف طريق، أو جلب عُدد، أو طعام، لكن النبي ﷺ أسهم لعثمان بن عفان من غنائم بدر، ولم يحضرها لمرض زوجه بنت رسول الله ﷺ، وقال له:«إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه»، رواه البخاري (٣١٣٠) عن ابن عمر، وقال:«إن عثمان انطلق في حاجة الله، وحاجة رسوله»، وهذا تعليل للإسهام، فقيل هذا كان قبل بيان من تكون له الأربعة الأخماس، وممن قال بذلك البغوي في شرح السنة (١١/ ١٠٠)، وقيل كان هذا من الخمس، وقيل هذا خاص به، فلا يقاس عليه، وممن ذهب إليه القرطبي، ويدل عليه كون النبي ﷺ جعله بمثابة من حضر بدرا، فهو من البدريين، فأما إسهام النبي ﷺ لأهل الحديبية من حضر منهم ومن غاب عن غزوة خيبر؛ فوعد من الله تعالى في قوله مخاطبا إياهم: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ (٢٠)﴾ [الفتح: ٢٠].
وقوله ويسهم للمريض؛ بيان لحكم من خرج للقتال ثم منعه عذر من حضوره، كأن مرض، أو ضل الطريق، ففي الإسهام لهؤلاء أقوال ثلاثة، أصحها كما قال ابن العربي