وقد حده ابن عرفة بقوله:«انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع، أو خوف وقوعه»، انتهى، فيدخل في قوله انتقال عن حق الإقرار، أي فيما إذا أقر أحد الخصمين للآخر بحقه، ومع ذلك طلب الصلح، ويدخل في قوله أو دعوى الصلح على الإنكار، وخرج بقوله بعوض الانتقال بغير عوض، فلا يسمى صلحا عندهم، وقوله أو خوف وقوعه يدخل فيه صلحا الإقرار والإنكار لصلاحية ذلك لكل منهما، لكن صلح الإقرار متفق عليه بخلاف صلح الإنكار.
فمثال الصلح على الإقرار أن يقر له بأن البيع كان بعرض أو حيوان، ثم يتصالحان على أخذ دراهم بدله، فهذه معاوضة صحيحة يعتبر فيها ما يعتبر في البيع مما يحل ويحرم، وكذلك إذا كان إجارة أو هبة بأن وقع الصلح على بعض ما أقر به، فينبغي توفر الشروط المعتبرة في كل ذلك.
ومثال الصلح على الإنكار أن تتوجه اليمين إلى أحد المتخاصمين فيفتدي منها بالمال، ولو علم براءة نفسه، قال في المدونة في كتاب الأيمان والنذور:«ومن لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك»، انتهى، وإنما نص المؤلف على الصلح على الإنكار لأن من أهل العلم من منعه من أهل المذهب وغيره كالشافعي، لكونه من أكل أموال الناس بالباطل، وأهل المذهب يقولون إن فيه سقوط الخصومة واندفاع اليمين عن المنكر، ويدل عليه عموم قوله ﷺ:«الصلح جائز بين المسلمين»، لكن هذا الجواز منظور فيه إلى العقد والظاهر فقط، أما في واقع الحال والباطن فالأمر مختلف، فإنه إن كان المنكر صادقا وعلم بذلك خصمه فلا يحل لخصمه أخذ شيء مما وقع الصلح عليه، لأن الصلح كالحكم في أموال الناس وقد تقدم الحديث بأن حكم الحاكم لا يحل الحرام ولا يحرم الحلال في الباطن.
ومثال الصلح الذي يحلل الحرام الصلح على الدَّيْنِ المشروع بخمر أو خنزير، ومثال الصلح الذي يحرم الحلال الصلح على ثوب بسلعة بشرط أن لا ينتفع بها، أو بثمر قبل بدو صلاحه لا على شرط الجذ، وكمصالحة امرأته على أن لا يطأ ضرتها، أو لا يقسم