وانفض من انفض إليها كانوا اثني عشر، وهو في الصحيح عن جابر، فكان هذا العدد مجزوما بصحة الصلاة معه، وغيره مشكوك فيه، فيتمسك بالمقطوع به، نظير الاستدلال بالإقامة أربعة أيام في السفر لمن أقام تلك المدة لتيقن الصحة معها، بخلاف ما زاد عليها فمشكوك فيه، وفي هذا الاستدلال شيء، ولو سلم فيمكن أن يعترض بأن ذلك كان بعد الصلاة، كما رواه أبو داود في المراسيل، وهو اللائق بحال الصحابة عليهم الرضوان، وبهذا لا يتم الاستدلال على المراد من اشتراط هذا العدد لصحة الصلاة.
ومن فروع الباب: أن المسجد شرط في صحة صلاة الجمعة، ولعلهم أخذوه من كون النبي ﷺ لم يصلها إلا في المسجد، وهذا فيه التقيد بالوصف العام الذي أديت فيه الجمعة على عهده، وصاحبه مأجور لطلبه كمال التأسي، لكن الاستدلال به على عدم الصحة في غير المسجد ليس كما ينبغي، إذ مؤداه عدم التكليف بالجمعة وعدم صحتها لمن لم يكن لهم بناء، وهذا تعطيل لمقاصد الشرع من هذه الصلاة، وقد صحّ عن عمر ﵁ قوله: جمعوا حيث كنتم.
ومن الفروع أيضا: ما ذهبوا إليه من بطلان الصلاة في المسجد الجديد إذا لم يضق العتيق والرحاب المحيطة به عن استيعاب المصلين، وأن الصلاة تصح في العتيق وإن تأخر في الأداء، ومعتمدهم في ذلك أن النبي ﷺ لم يأذن في إقامة الجمعة في المدينة في غير مسجده، إذ كانوا يأتونه كما تقدم من العوالي، وكانت المساجد بالمدينة متعددة وقد قالوا إنها كانت تسعة، والحق أن هذا يدل على أن السنة عدم تعدد الجمعة من غير حاجة، والمصلحة في ذلك لائحة لمن وفقه الله، لكنه لا يدل على بطلانها كما هو المشهور في المذهب، وقد أشار خليل لذلك بقوله:«وبجامع مبني متحد، والجمعة للعتيق وإن تأخر أداء، لا ذي بناء خف، وفي شرط سقفه، وقصد تأبيدها به، وإقامة الخمس تردد».