وصله النسائي والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة، ورواه أبو داود عنه قال، قال
رسول الله ﷺ:«من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا»، وأوكسهما هو أنقصهما، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٦/ ٤٤٨): «هذا حديث مسند متصل عن النبي ﷺ من حديث ابن عمر وابن مسعود وأبي هريرة كلها صحاح من نقل العدول، وقد تلقاها أهل العلم بالقبول»، انتهى باختصار.
ويؤخذ من رواية أبي داود أن هذا البيع يمكن أن يصحح بأن يأخذ البائع الثمن الأقل، ومع ذلك يكون مؤجلا لأن هذا هو أوكس البيعتين، ويمكن أن يأخذ أقل السعرين مع تعجيله لكونه الأصل في البيع، لكن قال الخطابي في معالم السنن (٣/ ١٢٢): «لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث أو صحح البيع بأوكس الثمنين إلا شيء يحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد وذلك لما يتضمنه هذا العقد من الغرر والجهل»، انتهى، ولهذا السبب أعني ما في الحديث من تصحيح البيع تأول الخطابي لفظ حديث أبي هريرة المتقدم على أنه في واقعة معينة لا حكما عاما على كل بيعتين في بيعة، قال كاتبه: لا داعي لهذا، فإن الشارع قد صحح بيوعا أخرى كما تقدم في بيع المصراة، والظاهر أن يكون النبي ﷺ قد نهى عن البيعتين في بيعة أَوَّلاً، ثم بَيَّنَ ما يفعل من تاب ممن خالف باقتحامه المحظور، فيأخذ أوكس الصفقتين كما تقدم، والله أعلم.
وقد اعتمد بعض أهل العلم ومنهم المُحَدِّثُ الألباني ﵀ على قوله ﷺ«فله أوكسهما أو الربا» ليمنع ما يسمى عندنا ببيع التقسيط، لأنه - كما ظن - لا يختلف عن الزيادة في الدَّيْنِ في مقابل تأجيله، وهو محرم بالإجماع، وليس هذا بصحيح، فإن الأمر هنا لم يَرْسُ على ثمن معين ثم اتفق على تأجيله نظير الزيادة فيه، ولأن للأجل حصة في الثمن، ولأن الربا يرد إطلاقه من الشارع على ما هو أعم من ذلك كما تقدم في أوائل هذا الباب، ولأن الحديث لا يصدق إلا على بيعتين في عقد واحد من غير بَتٍّ، كما يفيده حرف الجر وهو في، إذ معناه هنا الظرفية الاعتبارية، فمتى اتفق على إحدى البيعتين خرج ذلك عن أن يكون مدلولا للحديث، وإلا فكيف يقول فله أوكسهما هذا لا يكون إلا إذا افترقا من غير