وهذه الرسالة من أوائل المختصرات التي ظهرت في المذهب المالكي، إن لم تكن أولها بعد تفريع ابن الجلاب، كما قال النفراوي في الفواكه الدواني، وأشار إليه الذهبي في السير، ورغم السن المبكرة التي كتب فيها ابن أبي زيد رسالته فإنها تضمنت مشهور مذهب مالك والأقوال المعتمدة فيه في المسائل التي أوردها، وما فسر به تلاميذه وأهل العلم الراسخون مذهبه، كما ذكر في المقدمة، إلا حالات نادرة تتبعها بعض أهل العلم وأحصوها.
ولم يكن في هذا الكتاب متحررا مستدلا، بل كان ناقلا متحريا، ومن لم يفرق حين النظر في كتب العلماء بين الأمرين أوشك أن يزري بهم، ومع قدم عهدها فما تزال من أهم مصادر المذهب إلى الآن.
قال الشيخ زروق في مقدمة شرحه:«ولم تزل الناس يشرحونها على مر السنين والدهور، والعلماء يتداولونها ويتأولون ما فيها من مشكل الأمور، نحوا من خمسمائة سنة، ولم تنقص لها حرمة، ولا طعن فيها عالم معتبر في الأمة، مع ما فيها من عظيم الإشكال، ودواعي الإنكار من الحساد والأشكال، وهذه كرامة من الله لا تنال بالأسباب»، وقد كانت الرسالة أول كتاب طبع لابن أبي زيد وتعددت طبعاتها، ونقلت إلى الفرنسية والأنجليزية لسهولة أسلوبها وملاءمته، وكثير من طبعاتها المترجمة تمت في الجزائر.
وللرسالة دخل كبير في توجيه كلام الإمام مالك نفسه، وكلام تلاميذه من بعده، حتى إن بعضهم يقول: مذهب المدونة كذا، ومذهب الرسالة كذا، ولذلك تجد ابن الحاجب في كتابه جامع الأمهات يهتم بما فيها من توجيه لكلام العلماء المتقدمين وتفسيره، ويعد صاحبها من الشيوخ الذين يعتبر اختلافهم في نقل المذهب، ومن ذلك قوله:«وفي إزالة النجاسة ثلاث طرق: الأولى لابن القصار والتلقين والرسالة: واجبة مطلقا، والخلاف في الإعادة خلاف في الشرطية، الثانية للجلاب وشرح الرسالة: سنة والإعادة كتارك السنن،،، الخ، وقال أيضا مبينا آخر وقت الصبح: «وآخره إلى طلوع الشمس، وقيل الإسفار الأعلى، وتفسير ابن أبي زيد الإسفار يرجع بهما إلى وفاق».