كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (٣٢)﴾ [المائدة: ٣٢]، وقال النبي ﷺ:«اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول لله وما هن؟، قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»، رواه الشيخان عن أبي هريرة ﵁، وهو شامل لقتل كل نفس بغير حق مؤمنة كانت أو كافرة غير الكافر الحربي، وقال النبي ﷺ:«أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة»، رواه الطبراني والضياء في المختارة عن أنس ﵁، وعدم قبول توبة القاتل عمدا قول ابن عباس ومالك، ولأن شرط التوبة من مظالم العباد تحللهم منها ورد تبعاتها ولا سبيل للقاتل إلى ذلك حيث لم يدرك المقتول فيعفو عنه، ولا داعي لحمل الحديث المذكور على المستحل لقتله، ولا على الزجر، لكن ليس معنى كونه لا توبة له أنه مخلد في النار كما تقول الخوارج والمعتزلة، ولا أن ذلك الذنب لا يغفر له، لأن أسباب مغفرة الذنوب كثيرة لا تنحصر في التوبة، فإن منها ما يرجع إلى كسب الإنسان وفعله، ومنها ما يرجع إلى ما يبتليه الله به في حياته فيكون سببا في غفران ذنوبه، ومنها ما يرجع إلى استغفار غيره له وشفاعته فيه بإذن ربه، وقد قال ﵊:«شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، ومنها ما يصيبه في القبر وعرصات القيامة من العذاب والشدة والضيق.
وقال النبي ﷺ:«لن يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما»، رواه البخاري (٦٨٦١) عن ابن عمر، وفي رواية «في فسحة من ذنبه»، الفسحة السعة، ومعنى الأولى سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، ومعنى الثانية قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول»، قاله ابن العربي في القبس (٣/ ٩٧٨)، وهو في فتح الباري، وقال ابن عمر:«إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام من غير حله»، رواه البخاري، والورطات بمفتوحتين جمع ورطة بسكون الراء هي الهلاك، والمراد عدم نجاة من وقع فيما ذكر،