٤٥ - «وينبغي أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبة في جداره، ولا يقضى عليه».
دلّ على هذا حديث أبي هريرة ﵁ قال، قال رسول الله ﷺ:«لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره»، ثم يقول أبو هريرة:«ما لي أراكم عنها معرضين؟، والله لأرمين بها بين أكتافكم، رواه مالك في الموطإ والشيخان وبعض أصحاب السنن، وقوله ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار، وللرجل أن يضع خشبة في حائط جاره، وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع»، رواه أحمد وابن ماجة عن ابن عباس، فنفى الضر المبتدأ به، والضرار وهو الذي يفعل ليقابل به، ومذهب مالك كراهة منع الجار من ذلك، ولهذا قال المؤلف:«ولا يقضى عليه»، لكنهم قيدوا عدم القضاء له بما إذا لم يضطر إليه وإلا قضي له به، وهكذا إن قبل أن يغرز خشبته في جداره فليس له الرجوع إلا بعد المدة المعينة للغرز أو المعتادة في مثل ذلك، وقد صدر مالك كتاب المرفق في الموطإ بحديث «لا ضرر ولا ضرار»، وذكر بعده حديث المسألة التي نحن بصددها، فكأنه بذلك أورد معتمده في صرف النهي عن المنع إلى الكراهة، ولا ريب أن الجار إن تضرر بوضع جاره الخشبة في جداره، فإن الأمر ليس كما إذا لم يتضرر، فإن من ذهب إلى إيجاب ذلك قيده بما إذا لم يتضرر به المالك، وأن لا يُقَدَّمَ على حاجة المالك، فالظاهر مع هذه القيود الإيجاب، وما ورد من الأدلة مما يدل على حرمة مال المسلم وعدم حله إلا بطيب نفسه، فإنه أعم من هذا، لأن «معناه التمليك والاستهلاك، وليس المرفق من ذلك لأن النبي ﷺ قد فرق في الحكم بينهما، فغير واجب أن يجمع ما فرق رسول الله ﷺ»، قاله ابن عبد البر.