١٠٨ - «ومن الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقين وإن كانا مشركين فليقل لهما قولا لينا وليعاشرهما بالمعروف».
بر الوالدين هو الإحسان إليهما بالقول والفعل والسلوك، وقد أمر الله تعالى بذلك في مواضع من كتابه، وقرن برهما بتوحيده وعبادته، وأمر بالشكر له ولهما، فكان أصلا ثانيا من أصول الشريعة، تحفظ به العاطفة، ويستمسك به ويسلم المجتمع، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (٨٣)﴾ [البقرة: ٨٣]، بدأ بالإحسان إليهما ثم من بعدهم من الأقارب واليتامى والمساكين، ثم أمر بالإحسان إلى سائر الناس بالقول لأنه هو الممكن المتيسر، وقال تعالى ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (٣٦)﴾ [النساء: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)﴾ [لقمان: ١٤]، وقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾ [الإسراء: ٢٣ - ٢٤]، وقضى ربك أي حكم وأوجب، وبالوالدين إحسانا، إي أحسنوا بهم إحسانا، وتقديم المتعلق يشير إلى الاهتمام بالمأمور به، والإحسان يعم كل مراحل عمر الوالدين، لكنه خص بالذكر حالة الكِبَر لما يكون فيها من العجز والضعف، وازدياد حاجة الوالد إلى البر، وقد يطرأ على الوالدين فيها سوء الخلق، فيكون ذلك مدعاة للتبرم والضجر، ولذلك قال: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾، وهو اسم فعل معناه أتضجر، والمقصود النهي عن كل أذى ولو كان قليلا في أوجز كلمة هي أف، ولو لم تكن موجهة إليهما، ثم نهى عن انتهارهما لأن المرء قد يفعل ذلك وهو لا يريد إلا الخير لهما بكفهما عما يبدو له من سوء