١٣ - «يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي وسعيد».
هذا مما لا خلاف فيه بين أهل السنة، وهو مذهب سلف الأمة، فالله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، فلا يهتدي أحد إلا بهدايته، ولا يضل إلا بإضلاله، ولو كان الإنسان يملك إضلال نفسه وهدايتها لترتب على ذلك أن يقع في ملك الله ما لا يريده، وهو نقص ينزه عنه الله تعالى، فكيف وقد دلت النصوص الكثيرة على هذا الأمر، منها قول الله ﷿: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٧٨)﴾ [الأعراف: ١٧٨]، وقال تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧]، وقد كان النبي ﷺ يواظب على خطبة الحاجة، ومن بين ما فيها أن الهداية والإضلال بيد الله.
لكن ينبغي أن يعلم أن الهداية يراد بها البيان، وقد هدى الله كل أحد بهذا المعنى إذ أنزل كتبه وأرسل رسله، ولا يؤاخذ أحدا لم يبلغه دينه، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥]، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢]، وذلك لأن الرسول ﷺ أنزل الله عليه الكتاب ليبين للناس ما نزل إليهم.
أما الهداية المرادة فيما ذكره المؤلف فليست هذه، بل هي هداية التوفيق، فهذه لا تكون إلا لمن شاء الله تعالى هدايته، قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢]»، وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: ٥٦].