للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمسافر قد رأى أن الإفطار في الحديث كان للمشقة التي لحقت الناس بالصوم، ويجاب بأنها لم تنل كل المسافرين، ومنهم النبي مع الإطلاق الذي في الآية، والمقصود أن المسافر يباح له أن يفطر إذا سافر مسافة تقصر فيها الصلاة، وقد تقدم بيان مسافة القصر في كتاب الصلاة، ولا يشترط في جوز الإفطار حصول المشقة، فإن الشرع اكتفى هنا بالمظنة، ويجب على المسافر إذا أفطر قضاء ما أفطره بالإجماع.

لكن اختلف في الفطر في السفر هل هو عزيمة أو رخصة، وعلى الأخير ما هو الأفضل؟، والمذهب أن من لم تكن له إلى الفطر ضرورة ولا حاجة؛ فالصوم خير له، وعللوا ذلك بأنه قد يتثاقل عن القضاء فيأثم، وفرقوا بينه وبين قصر الصلاة في السفر بأنه إنما كان سنة؛ لأن الذمة معه تبرأ، بخلاف الفطر في السفر فإن الذمة معه تشغل، والشرع متشوف إلى براءة الذمة، وقال مالك في المدونة (١/ ١٨٠): «الصيام في رمضان في السفر؛ أحب إلي لمن قوي عليه».

وقول المؤلف في النوادر يخالف ما اختاره هنا وهو الصوم، ولعل ذلك لاختلاف الحال من كتاب هو متقيد فيه بمشهور المذهب، إلى كتاب هو فيه جامع للروايات، ناقل للأقوال، موازن بينها أحيانا، قال: «وقد استحب كثير من السلف الفطر في السفر، وهو أشبه بتيسير الدين، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، كان ابن عمر يفطر في السفر على تشدده، والفطر آخر فعل النبي بعد الفتح،،،».

ولأهل المذهب تفريعات كثيرة، وتقييدات جمة في إباحة الفطر للمسافر، وتوسع في إلزامه بالكفارة، يغلب على بعضها الرأي، وقد أوصل الشيخ علي الصعيدي في حاشيته على شرح أبي الحسن الصور المرتبطة بالمسافر من حيث تبييته الصوم أو الفطر، وشروعه في السفر قبل الفجر أو بعده، وإفطاره بعد العزم على السفر أو بعد الخروج، أوصلها إلى تسع عشرة، فانظرها إن شئت فيه وفي غيره من شروح الرسالة ومختصر خليل، وبعضها في المنتقى للباجي.

وأذكر هنا بعضها، فمنها أنه إنما يباح له الفطر إذا سافر سفر قصر، وهذا لا نزاع في أصله، ومنها أن لا يكون في سفر معصية، ومنها أن يصل إلى موضع القصر ليلا أو مع الطلوع، وهو في

<<  <  ج: ص:  >  >>