للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ أبو سعيد بن أحمد - حفظه الله - في طالع كتابه أحكام البيع وآدابه: «وقد فشت التجارة في هذه الأيام وانتشرت كما أخبر بذلك النبي حيث قال: «إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تشارك المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم»، رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه وأقره الذهبي عن عبد الله بن مسعود، وهو في الصحيحة للألباني، وقابل فشو التجارة عدم مبالاة الناس من أين يكتسبون المال من حلال أم من حرام بسبب حب الدنيا والمسارعة إلى جمع المال مع إهمال التفقه في الدين عامة، وفي فقه المعاملات خاصة، وقد قال رسول الله : «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال، أم من حرام»، رواه أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي هريرة»، انتهى ببعض تصرف في التخريج.

وقال سحنون في المدونة (٣/ ٩٤): «وقد كره مالك أن يكون النصارى واليهود في أسواق المسلمين لعملهم بالربا واستحلالهم له، ورأى أن يقاموا من الأسواق»، انتهى، فأين نحن من هذا، والمسلمون هم الذين يتعاملون بالربا من غير نكير، إن لم يكن ذلك بالتشجيع و (التشريع)، وفي الموطإ (١٣٨٢) عن يحي بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: «إذا جئت أرضا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام بها، وإذا جئت أرضا ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها»، انتهى.

وقد بعث الله تعالى نبيه شعيبا فكان من جملة ما بعث لأجله بعد توحيد الله تعالى ما قاله لقومه: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤)[هود: ٨٤]، وقد اعتبر قومه ذلك حجرا على حريتهم وتضييقا لأوجه استغلال أموالهم باستعمال ذكائهم وتحايلهم، قال الله تعالى: ﴿قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)[هود: ٨٧]، فاحتجوا بأمرين تقليدهم سلفهم في عبادة غير الله، وحريتهم أن يفعلوا بأموالهم ما يشاؤون، وفساد هذا العالم ولا سيما في هذا العصر راجع إلى هذين الأمرين، ولما كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>