تقدم هذا في باب جمل، وكرره المؤلف كعادته، والمرء يصح ويمرض، والمرض كثيرا ما يكون فيه منفعة للمريض، فيكون من رحمة الله به، تصح به نفسه وتزكو، وهو من أسباب مغفرة الذنوب، وفيه يتذكر به ضعفه، فيراجع نفسه، فيشفى بمرضه الجسماني من مرضه الروحاني، وقد جاء في بعض الآثار أنه إذا دعي للمريض بالشفاء أجيب الداعي:«كيف أشفيه وفي مرضه شفاؤه»، وطبيعة الإنسان العامة أن ينسى ضعفه في صحته، ويتذكره في مرضه، لكن المؤمن يتعرف إلى الله وقت رخائه، فيعرفه في شدته، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)﴾ [يونس: ١٢]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (٥١)﴾ [فُصِّلَت: ٥١]، والمؤمن متى تصبر واحتسب ففي كل ما يصيبه أجر، وقد قال النبي ﷺ:«عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صَبَرَ، فكان خيرا له»، رواه أحمد ومسلم عن صهيب ﵁، وما يصيب المؤمن فهو كفارة لما ارتكب من سوء، وهو أيضا جزاء له على ذلك، عجله الله له في الدنيا كما قال تعالى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ (١٢٣)﴾ [النساء: ١٢٣]، فإن صبر واحتسب ورضي كان مأجورا على ذلك أيضا، وكان ما أصابه خيرا له، يدل على ذلك قول النبي ﷺ:«ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»، رواه أحمد والشيخان عن أبي سعيد وأبي هريرة معا، شمل هذا الحديث أنواعا مما تكفر به الخطايا، من أمراض الجسد النصب وهو التعب، والوصب وهو المرض، وذكر من أمراض الباطن الهم والحزن والغم، وذكر ما يشملهما وهو الأذى.