أي لا تؤخذ دية الجرح على ما تقدم ولا يكون فيه حكومة حتى يبرأ، لأنه قبل ذلك لا يعلم مقدار الدية، ولا يعلم هل يبرأ على شين أو لا؟، ولا فرق في هذا الانتظار بين أن يكون الواجب مقدرا كالجائفة والآمة، أو ليس فيه غير الاجتهاد كالجراح التي دون الموضحة، كما أنه لا فرق في لزوم الانتظار بين أن يكون الجرح خطأ أو عمدا مما لا قصاص فيه لكونه من المَتَالِف، وظاهر كلام المصنف أن الانتظار يكون إلى البرء، لا فرق بين أن يحصل في السنة أو قبلها، وقال بعضهم لا بد من الاستيناء سنة ولو برئ قبلها، وقد جاء في هذه المسألة حديث جابر رواه البيهقي وهو ضعيف.
ودليل انتظار البرء مطلقا أي من غير قيد السَّنَةِ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي ﷺ فقال:«أقدني»، فقال:«حتى تبرأ»، ثم جاء إليه فقال:«أقدني»، فأقاده، ثم جاء إليه فقال:«يا رسول الله عرجت»، فقال:«قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله، وبطل عرجك»، ثم نهى رسول الله ﷺ أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه»، رواه أحمد والدارقطني في كتاب الحدود والديات (ح/ ٢٤)، قال في سبل السلام: وفي معناه أحاديث تزيده قوة»، انتهى.
قلت: وليس في إذنه ﷺ له في القصاص قبل البرء حجة على عدم لزوم انتظار البرء، لأنه قد نهاه، حيث أمره بالانتظار ببيان الغاية، ثم أخبره بعد أنه قد نهاه، وفيه دليل على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده.
وكما يُسْتَأْنَى بالعقل إلى أن يبرأ الجرح، فكذلك لا يقتص من الجاني حتى يبرأ المجني عليه، لاحتمال أن يكون الجرح سببا في ذهاب النفس فيستحق دم القتيل بالقسامة على ما تقدم.