«لا»، مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول:«لا»، ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول، قال حميد: فقلت لزينب: ما ترمي المرأة بالبعرة على رأس الحول؟، فقالت: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها؛ دخلت حفشا، ولبست شر ثيابها حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة: حمار، أو شاة، أو طير، فتفتض به، فقلما تقتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع ما شاءت من طيب أو غيره»، رواه مالك (١٢٦٥) والشيخان، والحفش بكسر الحاء فسره مالك بالبيت الرديء، والأحلاس جمع حلس بكسر الحاء، وأصله ما يكون على ظهر الدابة تحت القتب والبرذعة، والمراد به هنا الثياب، شبهت بالحلس في القذارة والنتانة، والافتضاض بالدابة هو التمسح بها جعل ذلك التمسح كأنه تجميل وتحسين يبلغ لون الفضة!!، قال مالك وتفتض به تمسح به جلدها كالنشرة، والمراد أنها تمسح به فرجها، فلا يكاد يعيش ما تتمسح به، أي من نتانة جلدها، ولعل رمي البعرة هو تفاؤل بمخالفة ما يأتي لما سبق مما كانت فيه من الشدة، وفيه دلالة على أن مدة الإحداد في الجاهلية كانت سنة.
وقد أقر ذلك الشرع في أول الأمر ثم نسخ كما عليه كثير من أهل العلم، وذلك قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠)﴾ [البقرة: ٢٤٠]، فخفف الله تعالى من مدة العدة إلى أربعة أشهر وعشر لغير الحامل، وجعلها للحامل وضع الحمل، وهو دال على ما كانوا عليه من التشدد في الإحداد حتى تبلغ المرأة من القذارة والنتن هذا المبلغ، فاحتفظ الشرع من ذلك بما لا يضر بها، مع مراعاة حق زوجها المتوفى.
وقد جاء بيان بعض ما تمنع منه المرأة المحد في حديث أم عطية قالت:«كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تكتحل، ولا تتطيب، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من حيضها في نبذة من كست وأظفار»، رواه الشيخان، والنبذة بضم النون وسكون الباء القطعة، والكست بضم الكاف، وهو القسط بالقاف المضمومة أيضا نوع من البخور،