(منه) لا يفهم منها غير التبعيض؛ فليس بناهض أيضا لأوجه خمسة، أما أولا؛ فلأن سورة النساء ليس فيها هذا القيد، وقد نزلت قبل سورة المائدة، فيلزم على القول به؛ تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز، وأما ثانيا؛ فلأنه من المشروع نفض اليد من التراب كما وردت بذلك السنة، وقد لا يبقى بعد النفض شيء من التراب، وقد تيمم النبي ﷺ على حائط، وأما ثالثا؛ فعدم التسليم بكون من تبعيضية، وقد قال بعضهم إنها لابتداء الغاية، وأما رابعا؛ فلأن هذا القيد يحتمل الدلالة على مطلوبية وضع اليد على الصعيد لا الاكتفاء بالإيماء إليه، أشار إلى الأخير ابن العربي، وقد ورد عن النبي ﷺ وضع اليد على الصعيد حتى سمى ذلك ضربة، والخامس أن آية المائدة نصت على بعض أفراد الصعيد، وأن آية سورة النساء عمت أنواعه، على التسليم بأن من للتبعيض، والله أعلم.
وبعد هذا وقفت على كلام للشيخ أبي مالك كمال بن السيد في كتابه صحيح فقه السنة (١/ ٢٠٠)، وفيه الاستدلال على أن المراد بتربتها في الحديث ليس خصوص التراب، بل ما هو أعم منه، واحتج لذلك بحديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعا، وفيه:«خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين،،،»، وهو استدلال متين قوي، فجزاه الله خيرا، وموضع الدليل فيه أن غير الجبال من أجزاء الأرض ليس ترابا فحسب، فيدخل غير التراب من الحجارة والرمل في التربة المذكورة في الحديث.
وفي المدونة قال يحي بن سعيد:«ما حال بينك وبين التراب فهو منها»، وفي شرح أبي الحسن:«ويدخل فيها الخشب غير المصنوع، والحشيش والزرع»، قال علي الصعيدي:«بقيود ثلاثة: إذا لم يجد غيره، ولم يمكن قلعه، وضاق الوقت، وبعد ذلك فهو ضعيف»، انتهى باختصار.
وفي التيمم على الثلج روايتان عن مالك الإثبات لابن حبيب، والنفي لأشهب، ولعل الجامع بينهما أنه إن لم يجد التراب والحجارة تيمم عليه، وإلا فلا يجزئه، يبينه قول ابن القاسم في المدونة:«سئل مالك عن اللبد، أيتيمم عليه إذا كان الثلج ونحوه؟، فأنكر ذلك»، وقال:«لا يتيمم عليه في قول مالك»، قلت: لابن القاسم: «فأين يتيمم في قول مالك إذا كان الثلج، وقد كره له أن يتيمم على لبد وما أشبه ذلك»؟، قال: «بلغني عن مالك أنه أوسع له