افتتح الباب بهذه الآية لأنها من الأصول في هذا المقام، وفيها رد الله تعالى على الكفار الذين جاءهم النهي عن الربا فاعتلوا بأنه مثل البيع، زعموا أن البائع التاجر يربح بالزيادة على ثمن الشراء، وكذلك المرابي يزيد في الدَّيْن للأجل، واستمروا على تعاطيه، فأخبر الله عن حالهم يوم القيامة يقوله: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥)﴾ [البقرة: ٢٧٥].
أما حال المال الذي يريدون تكثيره بالربا فقد قال عنه سبحانه ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦)﴾ [البقرة: ٢٧٦]، فالآية تدل على أن الأصل في البيوع وسائر المعاملات الجواز، كما أن الأصل في العبادات التحريم والمنع، ولا يضير هذا المعنى أن يحصل الاختلاف في لفظ البيع هل هو عام مراد به الخصوص، أو مجمل بينته السنة، أو عام مخصوص، فيشمل كل بيع ويقتضي إباحته، إلا ما دل الدليل على منعه، وهذا هو الراجح، انظر فتح الباري للحافظ (٤/ ٣٦٤)، وقال ابن العربي في أحكام القرآن (١/ ٢٤٢): «وتبين أن معنى الآية وأحل الله البيع المطلق الذي يقع فيه العوض على صحة القصد والعمل، وحرم منه ما وقع على وجه الباطل»، انتهى.
واعلم أن قول النبي ﷺ:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، رواه أحمد ومسلم عن عائشة، يشمل إحداث العبادة عينا ووصفا، كما يشمل كل ما خالف النهي في غير العبادات، مع النظر في دلالة النهي في غير العبادات أهو للتحريم أو للكراهة؟.
ومن هنا تتبين أهمية معرفة المناهي المتعلقة بالبيوع، وقد أوصلها ابن العربي إلى