٢ - «ولا يقصر حتى يجاوز بيوت المصر، وتصير خلفه، ليس بين يديه ولا بحذائه منها شيء، ثم لا يتم حتى يرجع إليها، أو يقاربها بأقل من الميل».
اعلم أن المسافر كيفما كانت مدة إقامته التي ينويها حيث يصل؛ فإنه يقصر الصلاة في ذهابه وإيابه إذا لم ينزل خلالهما المدة التي تقطع سفره، وقد بين المؤلف هنا الموضع الذي يبتدئ فيه القصر حين يشرع في السفر، والموضع الذي يبدأ فيه إتمام الصلاة حين يعود، وللإمام في ذلك روايتان:
إحداهما: وهي المشهورة التي ذكرها المؤلف، أنه يقصر عند مجاوزة بيوت قريته بحيث لا يكون عن يمينه ولا عن يساره منها شيء، ويتم في رجوعه إذا بلغ المكان ذاته، فبداية القصر هي نهايته، وهذه رواية ابن القاسم، وهي المعتمدة، ففي الموطإ: لا يقصر الذي يريد السفر الصلاة حتى يخرج من بيوت القرية، ولا يتم حتى يدخل بيوت القرية أو يقارب ذلك»، وفي صحيح البخاري:«خرج علي ﵁ فقصر وهو يرى الييوت، فلما رجع؛ قيل له: هذه الكوفة، قال: لا، حتى ندخلها».
والرواية الثانية: لمطرف وابن الماجشون وهي في النوادر، وفيها الفرق بين من كان من القرى التي تصلى فيها الجمعة، فهذا لا يقصر حتى يجاوز بيوتها بثلاثة أميال، لكون الجمعة واجبة عليه يأتي إليها من هذه المسافة، وأما من كان من القرى التي لا يجمع فيها؛ فهذا يقصر إذا تجاوز بساتينها، كما قال خليل:«سن لمسافر غير عاص به ولاه أربعة برد ولو ببحر ذهابا قصدت دفعة إن عدى البلدي البساتين المسكونة، وتؤولت أيضا على مجاوزة ثلاثة أميال بقرية الجمعة، والعمودي حلته، وانفصل غيرهما قصر رباعية وقتية أو فائتة فيه»، والحلة بكسر الحاء جماعة البيوت لأنها تحل، أي تسكن، ورواية مطرف وابن الماجشون في موضع بداية القصر؛ نقل ابن المنذر الإجماع على خلافها حيث قال:«أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج من جميع بيوت القرية التي يخرج منها»، فالله أعلم.