للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

٠١ - «والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض».

هذا هو جهاد الدعوة إلى الله تعالى، وسماه بعضهم جهاد الاختيار، وجهاد الطلب، ويقابله جهاد الاضطرار، وهو جهاد الدفع، وسيشير إليه المؤلف في نهاية الباب، وفرض الكفاية هو الذي يكون غرض الشارع منه حصوله من غير نظر إلى فاعله لتعلق المصلحة بالفعل نفسه، ودليل هذا قول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)[التوبة: ١٢٢]، وقال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٥]، فلو كان الجهاد فرض عين ما وعد القاعد بالحسنى، ومن ذلك ربط النبي أمره بالخروج للجهاد بالاستنفار في قوله: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»، ومن ذلك أنه تواتر عن النبي أنه كان يرسل للقتال بعض المسلمين دون بعض، قال سحنون: «هو فرض على الجميع، يحمله بعضهم عن بعض، إلا أن ينزل أمر يحتاج إليهم أجمعين؛ فيكون عليهم فرضا، ولا ينبغي مع ذلك أن يعطل الإمام الجهاد، والدعاء إلى الإسلام».

ولما كان الجهاد فرض كفاية، وكانت عواقب التفريط فيه خطيرة على المسلمين، فقد جاء في الحث عليه ما لم يأت في غيره من الأعمال، من الجهاد بالنفس وبالمال، والوعيد على عدم تحديث النفس به ممن لم يفعله، وفضل سؤال الشهادة، وبيان فضيلة الصوم فيه، واعتبار المجاهد كالصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر، وأجر تجهيز الغازي، واغبرار القدم فيه، وربط الفرس لأجله، والحرس والمرابطة فيه، وما أعد الله لمن مات في سبيله، وكون الشهداء أحياء عند ربهم، وجعل الغدوة فيه خيرا من الدنيا وما فيها،

<<  <  ج: ص:  >  >>