٤٦ - «والمودع إن قال رددت الوديعة إليك صدق إلا أن يكون قبضها بإشهاد».
الكلام هنا على الوديعة وهي من الإيداع والفعل يدع، أما الماضي ودع فهو مهجور، يستعمل بدله ترك، سميت كذلك لأن المودع (بكسر الدال) يتركها عند المودع (بفتحها)، قال الله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)﴾ [الضُّحى: ٣]، أي ما تركك، واستودعته وديعة إذا استحفظته إياها، ومعناها عند العلماء «مال استنيب على حفظه»، لكن قد تكون الوديعة غير مال كالوثيقة، فأما الإيداع فهو استنابة في الحفظ، وحكم هذه الاستنابة الجواز للفاعل والقابل، وقد يجب كمن خاف تلف ماله ووجد من يقبله وديعة عنده، ويحرم قبول المغصوب وديعة ممن لا يقدر على رده إلى صاحبه، والوديعة من جملة الأمانات التي أمر الله بردها إلى أهلها في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (٥٨)﴾ [النساء: ٥٨]، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ (٢٨٣)﴾ [البقرة: ٢٨٣]، وقال النبي ﷺ:«أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك»، رواه أبو داود (٣٥٣٤) والترمذي وحسنه، ورغم ضعف مخارجه فإن تعددها يدل على انتهاضه للاحتجاج، وفيه دليل على أن المودع مؤتمن من المودع، وأن الوديعة إنما تؤدى لصاحبها أو من يوكله، وعلى أن الخائن لا يرد عليه بمثل فعله، فيكون الحديث مخصصا لقوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا (٤٠)﴾ [الشورى: ٤٠]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ (١٢٦)﴾ [النحل: ١٢٦] وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (١٩٤)﴾ [البقرة: ١٩٤]، فإنها كلها قاضية بالمعاقبة بالمثل فتستثنى الأمانة من هذا وتدخل فيها الوديعة والعارية لأن حبسهما في الحق يؤدي إلى انقطاع البر بين الناس وإلى ضياع الأموال هكذا جمع بين هذه النصوص وبين ذلك الحديث الشوكاني ﵀ في نيل الأوطار، وانظر كلام