للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك حده بعضهم بقوله: «صفة حكمية توجب لموصوفها حكم العصوبة عند عدمها»، انتهى، فهذه ستة أبواب جمعها في باب واحد قصد الاختصار.

فأما الوصية فتكون بمال أو بغيره، والمال إما حق للغير أو تبرع، والوصية بغير المال قد تكون واجبة كما إذا علم الشخص أنه يفعل به بعد موته ما لا يجوز شرعا كبناء قبة عليه، أو البكاء عليه والعويل، أو دفنه في مسجد، أو ارتكاب مخالفة ما في تشييعه، وصناعة الطعام لغير الضيوف ولغير أهل الميت، وإحياء ذكرى وفاته، ونحو ذلك، فينبغي له أن ينهى أهله عن المخالفات ويعلمهم، وقد عرفنا في جِهَتِنَا بعض المنسوبين للعلم سكتوا عن بناء القباب على من تقدمهم فلما ماتوا بنيت عليهم القباب أو دفنوا في المساجد وغدا الناس يحتجون بأفعالهم أو بسكوتهم، فمن رأى الناس يفعلون هذا ولم ينه ولم يوص أثم إن حصل ما لم ينه عنه مما اعتادوا فعله، ولم يعرف إنكاره له في حياته، دل على ذلك قول النبي : «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه»، رواه أحمد والشيخان وغيرهما عن ابن عمر، ورواه مالك (٥٥٥) في قصة إنكار عائشة على ابن عمر فهمه له، وهو عند أحمد وفي الصحيحين والسنن، والحق مع ابن عمر، ومن ذلك قوله : «ما من ميت يموت فيقوم باكيه فيقول: «واجبلاه!، واسنداه!، أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه: هكذا كنت»؟، رواه الترمذي (١٠٠٣) عن أبي موسى الأشعري، ويلهزانه بفتح الهاء مضارع لهزه إذا ضربه بجُمع اليد في الصدر ودفعه، ويقولان له مع ذلك «هكذا كنت»؟، على وجه التبكيت والتقريع واللوم، والظاهر أن هذا فيمن لم ينه عما سَيُصْنَعُ به بعد موته إذ ما على المحسنين من سبيل، والله أعلم.

وقد روى عبد الرزاق (١٦٣١٩) عن أنس قال: «كانوا يكتبون في صدور وصاياهم «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان بن فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)[الحج: ٧]، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)[البقرة: ١٣٢]، وقوله كانوا يكتبون …

<<  <  ج: ص:  >  >>