بالتعزية الجماعية، والذي عرف عن النبي ﷺ أنه فعله هو ما جاء في حديث البراء بن عازب الذي رواه أبو داود وأحمد وغيرهما، وفيه أنه جلس وجلس أصحابه حوله، وذكرهم بخروج روح المؤمن، وما تلاقيه من الخير والإحسان، وبخروج روح الكافر والفاجر وما تلاقيه من التثريب والهوان، حتى إذا انتهي من الدفن انصرفوا، وهكذا ما رواه البخاري وغيره عن علي بن أبي طالب أنهم كانوا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتى رسول الله ﷺ فقعد وقعدنا حوله،،، الحديث، وقد ثبت أنه قال لأصحابه عن بعض من دفنوه:«استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل»، وهذا هو الذي يقتضيه العقل السليم، والذهن المستقيم، وهو تحديث الناس إن كان ولا بد وقت الدفن كي يشتغلوا بما جاءوا من أجله، حتى إذا انتهوا منه انصرفوا لشؤونهم.
واعلم أن معظم المشيعين للجنازة حاضرون بأشباحهم لا بأرواحهم، يفوتهم الاتعاظ والاعتبار بالموت، لاشتغالهم عنه بالحديث في شؤون حياتهم، وكثيرا ما يتجاوزون ذلك إلى اللغو واللهو، بل وإلى ما حرم عليهم، وقد كان سلفهم على خلاف ذلك، ففي النوادر (الاستكانة في الجنازة)، قال ابن حبيب: ويكره الضحك والاشتغال بالحديث والخوض، وكان يُرى على النبي ﷺ فيها كآبة، ويرون أنه يحدث نفسه بأمر الموت، وما هو صائر إليه، وسمع فيها أبو قلابة صوت قاص فقال:«كانوا يعظمون الموت بالسكينة»، قال مطرف بن عبد الله:«وكان الرجل يلقى الخاص من إخوانه في الجنازة له عنده عهد؛ فما يزيده على التسليم، ثم يعرض عنه، حتى كأن له عليه موجدة، اشتغالا بما هو فيه، فإذا خرج من الجنازة ساءله عن حاله ولاطفه، وكان منه أحسن ما كان يعهد»، وقال أسيد ابن الحضير:«ما شهدت جنازة فحدثت نفسي إلا بما تقول، أو يقال لها حتى أنصرف».