للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجامع: «وما كان فيه يريد كذا، أو بغير كذا، فهو تنبيه وتفسير على ما فهمت وعلمت من معنى ذلك في قولهم ومذهبهم».

والمتفقه قد يكون فقيها وقد لا يكون، قال صاحب الصحاح: «وتفقه إذا تعاطى ذلك»، يعني الفقه، وقد سمى الخطيب البغدادي أحد كتبه الفقيه والمتفقه، ففرق بينها، وصيغة الفقيه أدل على الرسوخ في الفقه من صيغة المتفقه، فإن التفقه التفهم، وهو أعم من أن يكون صاحبه فقيها أو لا، فيمكن أن يكون هذا مراد المؤلف من ذكر الراسخين والمتفقهين، ولذلك كان المطلوب من المرء أن يتفقه، قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢٢]، وقال النبي: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (١)، ودعا النبي لعبد الله بن عباس بقوله: «اللهم فقهه في الدين»، وفي رواية زيادة: وعلمه التأويل (٢).

والإشكال معناه الالتباس، يقال أشكل الأمر إذا التبس، والتفسير بيان المراد من اللفظ، والبيان التعبير عن هذا المراد بعبارة جلية، وقد أسند التفسير إلى الراسخين، والبيان للمتفقهين، لكون الأول كما قالوا أشرف من الثاني، فأنزل كلا منهما منزلته.

قوله: «لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن، ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته»، الولدان هم الصغار من الذكور والإناث، والمبادرة إلى تعليمهم أمر مطلوب مرغوب فيه لاعتبارات:

أولاها: أن التعلم في الصغر أسهل على المرء، وأرسخ في النفس، ولذلك قال الحسن: «طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر»، وقال نفطويه:

أراني أنسى ما تعلمت في الكبر … ولست بناس ما تعلمت في الصغر

وما العلم إلا بالتعلم في الصبا … وما الحلم إلا بالتحلم في الكبر


(١) متفق عليه: البخاري ٧١)، ومسلم (١٠٣٧).
(٢) رواه البخاري (١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>