دليل ذلك حديث جابر ﵁ قال، قال رسول الله ﷺ:«الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا»، رواه أحمد وأصحاب السنن، وظاهره عدم فوات هذا الحق بالطول، قال مالك:«لا تقطع شفعةَ الغائب غيبتُه، وإن طالت غيبته، وليس عندنا لذلك حد تقطع إليه الشفعة»، انتهى.
قال كاتبه: لكن الشريعة التي جاءت بدفع ضرر القسمة أو الشرك عن الشفيع جاءت أيضا بدفع الضرر عموما، وليس في الحديث السابق إلا أن الغياب لا يقطع الحق في الشفعة، أما المدة التي يستمر له فيها هذا الحق فلا بد من تقييدها لما ذكرنا، فتكون من موارد الاجتهاد بحسب حال الغائب، والله أعلم، أما حديث ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال:«الشفعة كحل العقال، ولا شفعة لغائب»، رواه ابن ماجة والبزار، والفقرة الأخيرة له فإنه ضعيف لا تقوم به حجة، والحاصل أن مسقطات الشفعة أمور ثلاثة هي:
أولها: التخلي عنها بصريح اللفظ كأن يقول تركت حقي في الشفعة أو أسقطت شفعتي، لكن إسقاطه حق الشفعة لا يعتبر إلا إذا كان بعد بيع الشقص، أما قبله فهو كالعدم لأنه قد تم قبل الاستحقاق، هكذا قالوا، وفي هذا الشرط نظر إذ ما يقال إذا آذنه شريكه بالبيع فأذن له وتنازل عن حقه وقد أمر الشرع صاحب الشقص بذلك كما تقدم في حديث جابر عند مسلم وأبي داود من قوله ﷺ:«لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع»، وكيف لا يعتبر الشرع ذلك وهو وقت ما قبل استحكام النزاع واستفحاله ثم يقر له بالحق بعد البيع مع ما في ذلك من تكثير النزاع؟، هذا مستبعد، وفي صحيح البخاري: قال الحكم: «إذا أذن له قبل البيع فلا شفعة له».
وثانيها: ما يدل على تركه حقه في الشفعة كرؤيته المشتري يبني ويهدم ويغير وهو