الزكاة قرينة الصلاة فكان حقها أن تقرن بها، وتقديم المؤلف الصيام لأنه أعم من الزكاة في شمول المكلّفين، والتعبّد لله فيه أظهر، وجاء في صحيح البخاري تقديم أحدهما على الآخر، وكذا تقديم الحج، ويظهر أنه من تصرف الرواة، وقد كان ابن عمر ينكر على من نقل عنه تقديم الصوم على الزكاة وسيأتي ذكر حديثه.
والصيام في اللغة: الإمساك مطلقا، ومنه الإمساك عن الكلام كما في قول الله تعالى عن مريم ﵍: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)﴾ [مريم: ٢٦]، وفي الشرع: هو الإمساك عن شهوتي الفرج والبطن وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية عبادة الله تعالى، قبل الفجر أو معه».
قال ابن القيم ﵀ في كتابه مفتاح دار السعادة (٢/ ٩): «وأما الصوم فناهيك به من عبادة، تكف النفس عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم، إلى شبه الملائكة المقربين، فإن النفس إذا خُليت ودواعيَ شهواتها؛ التحقت بعالم البهائم، فإذا كفت شهواتها لله، ضيقت مجاري الشيطان، وصارت قريبة من الله بترك عاداتها وشهواتها محبة له، وإيثارا لمرضاته، وتقربا إليه، فيدع الصائم أحب الأشياء إليه، وأعظمها لصوقا بنفسه، من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه، فهو عبادة لا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله،،، وهذا معنى كون الصوم لله ﵎، وبهذا فسر النبي ﷺ هذه الإضافة في الحديث فقال: «يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة بعشرة أمثالها، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي»، وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة، وتقمع النفس، وتحيي القلب، وتزهد في الدنيا وشهواتها، وترغب فيما عند الله، وتذكر الأغنياء بشأن المساكين، وأحوالهم، وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشه،