وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»، وحمله الجمهور على معنى أنه يستحق عقوبة الكافر بالترك، أو أنه المستحل الترك، أما الاستدلال على كفر تارك الصلاة بقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٥]، وقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)﴾ [التوبة: ١١]؛ فلا ينهض، لأن الخصال المذكورة ثلاثة، واحدة منها وهي التوبة من الكفر متفق على التكفير بعدمها، أما الصلاة والزكاة فمن كفر أحدا بترك الصلاة؛ لزمه التكفير بترك الزكاة، وإلا كان قوله مجرد تحكم، والصواب: أن الآيتين في الكف عن الكفار إذا أسلموا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وهم إنما امتنعوا من الصلاة والزكاة لجحدهما، ومع هذا فقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري الطويل في صحيح مسلم في خروج الموحدين من النار برحمة الله تعالى:«يقول الله ﷿: «شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما،،، وفيه: يعرفهم أهل الجنة: «هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الله الجنة، بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه»، فدل هذا على أن تارك الصلاة إذا كان موحدا لا يسلك في سلك الكفار المخلدين في النار، والنظر يقتضي تسمية التارك بما سماه به الشارع، مع اعتقاد أنه غير مخلد في النار متى كان مقرا بوجوبها، والله أعلم.
وحاجة المكلف إلى الصلاة عظيمة، لأنها عبادة يتجرد المرء فيها لله، فيقف بين يديه ويناجيه، ويخشع له ويذل، فيراجع نفسه ويحاسبها، والمرء لا بد له من هذا لصلاح حاله، ولكنه لا يمكنه الاستمرار على ذلك مع اشتغاله بمعاشه، وشؤون دنياه، فكان أن وزعت الصلوات الخمس على النهار وأطراف الليل توزيعا لا يخل بحاجة الإنسان إلى عمل الحياة، لكنه بحيث لا يخلو الإنسان منها في الليل والنهار وقتا طويلا، وإلا فقد فرض الله خمسين صلاة لشدة حاجة المرء إليها ثم نسخ ذلك، وهي بمثابة النهر الذي يمر بباب المرء فيغتسل فيه خمس مرات في اليوم، كما قال النبي ﷺ:«أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟، قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا»، رواه الشيخان وغيرهما