للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٨ - باب في الحج والعمرة]

الحج هو خامس أركان الإسلام، وهو عبادة بدنية مالية، فيها إنفاق المال، وتعب البدن، وفيها التقرب إلى الله تعالى بالذبائح، وفيها من كمال التسليم لله ما ليس في غيرها، وقد أوجب الله فيها ضربا من التقشف والابتذال، وحرم فيها ما لم يحرم في غيرها، كالنكاح والطيب وإزالة التفث، ويتعين فيها السفر على غالب الحجاج، ولذلك كان فيها من شرط الاستطاعة ما ليس فيما عداها، فالحج كالدورة التدريبية، أوجبها الشرع مرة واحدة في العمر تخفيفا عن الناس، ولولا أنها كذلك؛ لخلت بلدان المسلمين منهم، وتعطلت بقية مصالح دينهم ودنياهم، وقد جاء الترغيب في التطوع بالحج والعمرة وتكريرهما، فقال النبي : «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة»، رواه النسائي والترمذي (٨١٠) عن عبد الله بن مسعود، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه ابن ماجة (٢٨٨٧) عن عمر بسند ضعيف، والحج المبرور الذي لا معصية فيه، يؤيده قول النبي : «من حج فلم يرفث، ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه»، وقيل المبرور الذي لا معصية بعده، وجعل الشرع الحج للنساء جهادا، ولعل الضعفاء مثلهن، فعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: «يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد»؟، قال: «لا، ولكن أفضل الجهاد: حج مبرور»، رواه البخاري (١٥٢٠)، وقال عمر: «إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمرة، فإنه أحد الجهادين»، وهو في مصنف عبد الرزاق (٨٨٠٨)، وعلقه البخاري نحوه، ومعنى وضع السروج الرجوع من الغزو، والسفر لأجل النسك والجهاد هو ما سافر من أجله النبي .

قال الحافظ في الفتح (٣/ ٤٨٠): «وتسمية الحج جهادا إما من باب التغليب، أو على الحقيقة، والمراد جهاد النفس لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال».

والكعبة هي الموضع الذي دحيت الأرض من تحته، وهي قبلة المسلمين أحياء

<<  <  ج: ص:  >  >>