وأمواتا، يتجهون إليها في صلواتهم في أي جهة كانوا، ولذلك عرفوا بأهل القبلة، فأوجب الله على المستطيع منهم أن يجمع إلى هذا التوجه اليومي إليها بوجهه سفرا يراها فيه بعينه، وخصها الله تعالى هي وما حولها بعبادات لا توجد في غيرها، وقد قال الله عنها: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٩٧] أي جعل الكعبة سببا لقيام مصالح الناس ومنافعهم الدينية والدنيوية، إنهم يأمنون فيها مما يخافونه في غيرها، ويؤدون فيها وفيما حولها العبادات التي تزكو بها نفوسهم، وتتطهر قلوبهم، وتغفر ذنوبهم، وقد أودع في نفوس الناس حتى الكفار من تعظيمها وإكبار شأنها ما لا يكون من غير تقديره سبحانه، قال: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)﴾ [آل عمران: ٩٦].
والظاهر أن الكعبة أول بناء ظهر على الأرض مع كونه خاصا بعبادة الله، وهو ظاهر آية سورة آل عمران، وكون الحديث قد صح في بناء إبراهيم ﵇ له؛ لا يمنع ما تقدم لظواهر نصوص وآثار عدة مع كون الأنبياء قد حجوه.
وقد تواطأ العرب على أن أحدهم لو وجد قاتل أبيه بالحرم لا يثأر منه، فأقر ذلك في هذا الدين الخاتم، بل زاد عليه المنع من الصيد وترويع الحيوان في الحرم للحلال وللمحرم في أي مكان كان، وزاد المنع من إتلاف النبات غير الإذخر، إذ قال رسول الله ﷺ:«إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ﷺ فيها؛ فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ﷺ، ولم يأذن لك، وإنما أذن لي فيه ساعة من النهار، وقد عادت حرمتها كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب»، رواه الشيخان، واللفظ للترمذي أول كتاب الحج، وحرم رسول الله ﷺ المدينة أيضا إذ قال:«ما بين لابتيها حرام»، رواه البخاري عن أبي هريرة.
قال ولي الله الدهلوي في الحجة البالغة (١/ ١٤٤): «حقيقة الحج اجتماع جماعة عظيمة من الصالحين في زمان يذكر فيه حال المنعم عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ومكان فيه آيات بينات قد قصده جماعات من أئمة الدين معظمين