للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عباس: هل تعلم له مثلا، أو شبيها؟، وهو مروي عن غير واحد من أئمة التفسير، وقد جاء في صيغة الاستفهام الإنكاري الذي معناه النفي، وذلك بعد إثبات ربوبيته، وألوهيته، قال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)[مريم: ٦٥]، أي هل تعلم له شبيها في ألوهيته، وربوبيته، وقيل المعنى هل تعلم من تسمى باسمه كقوله تعالى: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧]، وليس هناك من تَسَمَّى الله، فلا يستحق غيره ما يستحقه سبحانه، ومثلهما في الجمع بين الإثبات والنفي سورة الإخلاص، فإن آخرها قوله تعالى ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)[الإخلاص: ٤]، فإنه جاء بعد وصفه سبحانه بالأحدية والصمدية، ونفي الوالد والولد عنه، فهذه الآيات الثلاثة تضمنت تنزيه الله تعالى عن أن يشبهه شيء من خلقه بإجمال، وفيها وصفه بصفات الكمال، والأولى من سورة مريم فيها إشارة إلى ذلك التقسيم الذي شنع به بعضهم، فقد ذكرت فيها ربوبية الله تعالى والأمر بعبادته وإنكار أن يكون له شبيها.

والشبيه والنظير والمثيل أوصاف متقاربة، يقال هذا شبهه بكسر الشين وسكون الباء وشبيهه، قال في مختصر الصحاح: «ونظير الشيء مثله»، وللسيوطي كلام نقله عنه الشيخ علي الصعيدي العدوي في حاشيته ذكر فيه الفرق بين الثلاثة، خلاصته أن المثيل هو المساوي من كل وجه، والشبيه المشارك في أكثر الوجوه، والنظير المشارك في بعضها، وعلى هذا فنفي كل من الشبيه والنظير يستلزم نفي ما فوقهما، وهو المثيل، دون العكس، ولو صح هذا في اللغة فلا يجوز الاحتجاج به ليقال إنما نفت آية الشورى المثل، فلا يلزم منه نفي غيرهما، وذلك لاشتراك بعض أوصاف المخلوقات مع الخالق في اللفظ، إذ يقال فلان حكيم، وخبير، وكريم، ورحيم، فكيف إذا دلت على نفي مثل المثل كما قيل؟.

وقوله: «ولا ولد له، ولا والد، ولا صاحبة، ولا شريك»، هذا كله ورد في كتاب الله، للرد على من زعم من اليهود والنصارى ومشركي العرب أن لله ولدا، فإن العرب يقولون الملائكة بنات الله، والنصارى يقولون المسيح بن الله، واليهود يقولون عزير بن الله، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [البقرة: ١١٦]، وقال: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>