للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقترح عليه.

والدعوة إلى الله أعم من أن تكون بالتعليم أو بغيره، فإن المعلم للحق داع، والعامل به داع، والآمر بالمعروف داع، والناهي عن المنكر داع، والمؤذن داع، والرجل بسمته ودله داع، والدعوة كما تكون بالقلم تكون باللسان وبالسنان، ولكل وقت وآن، وما أحوج الدعوة في هذا العصر إلى أن تعنى بالجوانب العملية في الحياة العامة للتمكين للشرع في شتى أحكامه، بعد أن تخلى الحكام عن ذلك في معظم البلدان، وقد بينت مرادي من هذا في غير ما موضع مما كتبت، ومن ذلك رسالتي المسماة (الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله)، والفصل الأول من كتابي (كيف نخدم فقه مالك)؟، وغيرهما، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)[فصلت: ٣٣]، وقال تعالى ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨] وقال النبي : «من دعا إلى خير فله مثل أجر فاعله» (١)، وقال لعلي : «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» (٢)، والعبرة منه أنه أعطاه الراية بعد أن استعصت حصون خيبر على المسلمين، وكان المنتظر في هذا الحال أن بحضه على القتل والقتال، لكنه ذكره بما هو أهم في القتال وهو هداية الناس.

والمرء إذا سئل عن علم يعلمه فلا يحل له كتمانه، لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)[البقرة: ١٥٩]، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧]، وهاتان الآيتان وإن كانتا في أهل الكتاب وهم كفار فليس بممتنع أن يستدل بهما على من كتم العلم من المسلمين، ووعيد كل بحسبه، وقد كان أبو هريرة يذكر أن الأولى منهما مانعته من الكتمان، فجاء في الصحيح عنه: «لولا آية من كتاب الله ما حدثت أحدا شيئا»، وقال النبي : «من كتم علما عن أهله ألجم يوم


(١) رواه الطبراني في «الأوسط» (٤٧٩١) بلفظ «من دلّ» بدل «من دعا».
(٢) متفق عليه: البخاري (٢٩٤٢)، ومسلم (٢٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>