عظيمة منه ﵀، وقد كررها في غير موضع من كتابه، فوجب التنبيه، وهكذا ما اشترطه لإثبات لزوم الولي من التواتر أو ما هو قريب منه، وحسبك من ذلك أن تغسيل الميت ليس فيه إلا حديث واحد، وإنما الذي ينبغي أن يقال: إن ما اتفق عليه الشيخان هو مما تلقته الأمة بالقبول فيتعين العمل به عند المسلمين، بل ويحصل به العلم، وقد يستثنى من كان عالما بالحديث إذا ضعف شيئا منها، كما يستثنى من اتبعه غير متعصب له، وما ليس فيهما، أو أحدهما؛ فإن من صح عنده الحديث من العلماء المختصين؛ لزمه العمل به ولا بد كما يلزم من اتبعه، ومن لا فلا، إلا أن يدل على ذبك دليل آخر إذ لا حصر للاستدلال في الحديث.
ومن هذا القبيل حديث «لا نكاح إلا بولي»، فإنه ثابت عند فريق من أهل العلم، منهم علي بن المديني، والترمذي، وابن حبان، وغيرهم من الجهابذة، ومثله أحاديث أخرى مصرحة ببطلان النكاح من غير ولي، وظواهر القرآن وعموماته تؤيد تلك النصوص، وحكى ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وبهذا يتبين أن التسوية في الاستدلال بين الفريقين ليست كما ينبغي.
وقوله بعدم بيان الشارع مراتب الأولياء ممنوع، فإن الشارع قد طلب استئذان البكر واستئمار الثيب، فمن الذي يوجه إليه الأمر بذلك ابتداء؟، وهل يعقل أن يحيل الشارع على المجهول في هذا الأمر؟، وقد قرر أهل الأصول تعذر توجيه الأمر للمجهول في باب الواجب الكفائي، فمن قيل إنه هو الذي يستأمر أو يستأذن فهو الولي، فلما قال النبي ﷺ:«وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»؛ عقلنا أن الأولياء قد يتفقون، فلا إشكال، ولا يمكن أن يكون الأولياء هنا عامة المسلمين، وإن كان بعضهم أولياء بعض بنص القرآن، بل المراد أولياء معينون، فإن اختلفوا؛ بحيث يمنعون المرأة من النكاح وهذا معنى الاشتجار؛ زَوَّجَ السلطانُ، ولما قال فالسلطان ولي من لا ولي له»، عقلنا أن هناك أولياء يسبقون السلطانَ في الرتبة، ولا يصح الافتيات عليهم بسلبهم الحق في تزويج نسائهم ولو من السلطان نفسه، ثم تطلبنا مراتبهم في الأحقية فكان الاعتبار بقوة تعصيبهم في الميراث، وهذا سند لا ينبغي الارتياب فيه، وقد علمت تلك المنازل فيما سبق على اختلاف العلماء فيها.