٠٢ - «وكان ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه».
المراد بالجاهلية ما قبل الإسلام، لكن العمل بالربا استمر مدة طويلة، وإنما حرمه الله بالتدريج، وقد ذكر في سورة الروم المكية قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)﴾ [الروم: ٣٩]، والأكثرون على أن المراد منه الهدية يريد معطيها أن يكافأ عليها، روي هذا عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم، ويسمى أهل المذهب ذلك بهدية الثواب، فقيل هذا ربا مباح غير أنه لا ثواب فيه، وقد مُنع منه النبي ﷺ بخاصة، وقد رأيت كثيرا من المفسرين المعتمدين على المنقول يذكرون الربا الذي في الآية ضمن الربا المحرم، ثم تبين لي بعد طول تفكير أن تفسير الآية بالمعنى المأثور عن السلف لا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى الربا المحرم لأن الهدية إكرام وإحسان وتبرع فكيف ينتظر معطيها المكافأة عليها؟، وحسبك من التنفير من ذلك أنها لا تربو عند الله، وجاء النهي عن الربا صريحا في سورة آل عمران، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠)﴾ [آل عمران: ١٣٠]، وقيد ﴿أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ أريد به ذكر الواقع، وذلك من موانع اعتبار مفهومه، مع أن فيه أيضا التشنيع على فاعليه لما فيه من الاستغلال لحاجة المحتاج، باستمرار عجزه عن رد الدين، فيرتفع العوض بمرور الزمان، وقد اعتمد على هذا المفهوم من جوز الزيادة القليلة هداهم الله، قال صاحب المراقي ذاكرا ما لا يعتبر في المفاهيم:
أو جَهل الحكمَ أو النطق انجلب … للسؤل أو جري على الذي غلب
أما في سورة البقرة فقد طال الحديث عن الربا، وحكمه فيها آخر ما نزل من القرآن، وما من موضع ذكر الربا فيه من كتاب الله إلا وذكرت معه الصدقة، فالقرآن يحرم الربا