رسول الله ﷺ:«من ظلم شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين»، رواه الشيخان، وقوله «من ظلم شبرا» أي قَدْرَ شبر، وأوقع الظلم على الشبر مع أنه المأخوذ لا المظلوم زيادة في التشنيع، والمخلوقات غير العاقلة تتضرر بظلم بني آدم كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ (٤٥)﴾ [فاطر: ٤٥]، روى ابن جرير عن أبي سلمة قال: سمع أبو هريرة رجلا وهو يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، قال: فالتفت إليه فقال: بلى والله، حتى إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم»، انتهى.
وقد كان الصحابة يتشددون في الابتعاد عما فيه شبهة فضلا عن المحرم، فعن محمد ابن سيرين أن أصحاب رسول الله ﷺ نزلوا بأهل ماء وفيهم أبو بكر الصديق، فانطلق النعمان فجعل يقول لهم يكون كذا وكذا، وهم يأتونه بالطعام واللبن ويرسل هو بذلك إلى أصحابه، فأخبر أبو بكر بذلك فقال: أراني آكل كهانة النعمان منذ اليوم، ثم أدخل يده في فمه فاستقاءه، وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنت في غزوة ذات السلاسل فذكر قسمته الجزور بين القوم وأنهم أعطوه منها، فأتى به إلى أصحابه فطبخوه فأكلوه، ثم سأله أبو بكر وعمر عنه فأخبرهما فقالا له:«والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا»، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما»، وعن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب شرب لبنا فأعجبه فسأل فأخبر أنه حلب له من لبن الصدقة، فأدخل عمر أصبعه فاستقاء، ودخل معمر على أهله فإذا عندها فاكهة فأكل منها ثم سأل عنها فقالت له: أهدتها إلينا فلانة النائحة فقام معمر فتقيا ما أكل»، ذكرها كلها ابن حزم ﵀ في المحلى (٨/ ١٤٣).
أما أن الغاصب ضامن لما غصب فهذا لا خلاف فيه، فإنه معتد بالغصب، فأقل ما يجب عليه رد المغصوب بذاته لمن غصب منه، والمشهور أن الضمان يعتبر وقت الغصب إن فات المغصوب، وقيل إن الضمان يكون بالأكثر من يوم الغصب إلى يوم التلف، لأن كل المدة التي قضاها المغصوب عند الغاصب مشمولة بحكم الغصب، وهو قول أشهب وابن وهب وعبد الملك، وهذا وجيه جدا.