بعد أن انتهى المؤلف ﵀ من الكلام على الوسيلة إلى الصلاة، وهي الطهارة؛ شرع يتكلم على المقصد وهو الصلاة، وقد عكس مالك ﵀ في الموطإ، فقدم باب وقوت الصلاة على الحديث عن الطهارة، لأن توجه الأمر إلى الكلف بالطهارة لا يكون قبل دخول الوقت.
ومعرفة أوقات الصلاة لا بد منها للمكلف، إما بنفسه، وإما بمتابعة غيره كالمؤذن، لأنها لا تصح قبل وقتها، ويأثم من أخرجها عن وقتها غير الناسي والنائم، وهكذا ينبغي له معرفة أسمائها؛ لكي يستحضرها عند نية الصلاة، حتى يفرق بين صلاة وأخرى.
والأوقات جمع وقت، وهو الزمن المقدر للعبادة شرعا، وهو إما وقت أداء، وإما وقت قضاء، ووقت الأداء إما وقت اختيار، وهو الذي لا حرج أن تؤدى الصلاة في أي أجزائه، وإن تفاضلت، ووقت ضرورة، وهو الذي لا يجوز تأخير الصلاة إليه، ويأثم متعمد تأخيرها إليه، والكل أداء.
والصلاة في اللغة الدعاء، وفي الشرع «قربة فعلية ذات إحرام وسلام، أو سجود فقط»، هكذا حدها ابن عرفة، والقيد الأول يدخل صلاة الجنازة، والقيد الثاني يدخل سجود التلاوة، فإنه صلاة في المذهب، ولذلك اشترطوا فيه ما يشترط في الصلاة، قال زروق: وفي كونه صلاة اختلاف.
والصلاة مما علم وجوبه من الدين بالضرورة، فمنكر وجوبها كافر مرتد، وتاركها مع الإقرار بوجوبها حسبه من الشر أنه مختلف في كونه مسلما، وقد دلت نصوص عدة على كفره، منها قول النبي ﷺ:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر»، رواه أحمد وأصحاب السنن عن بريدة، والمراد بالعهد هنا أنه الموجب لحقن الدماء، فمن ترك الصلاة كان غير مستحق لذلك، كالمعاهد ينقض العهد، وقيل إن الحديث في المنافقين لهم حكم المسلمين ما صلوا، وفي صحيح مسلم عن جابر سمعت النبي ﷺ يقول: «بين الرجل