٣٢ - «والجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعون درهما».
مستند هذا التحديد؛ ما رواه مالك في الموطإ (٦١٩)، وأبو عبيد في كتاب الأموال (١٠٤) عن عمر بن الخطاب أنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهما، مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام»، لكن هذا المقدار ليس مطردا، بل يفرض على صنفين من الكفار، أولهما أهل العنوة - بفتح العين - وهم من فتحت بلادهم قهرا وغلبة.
والثاني أهل الصلح، وهم الذين حموا بلادهم حتى صالحوا المسلمين على شيء يعطونه لهم دون تحديد، فيكون المقدار المذكور هو المرجع فيما يفرض عليهم، ولا يزاد عليه في مشهور المذهب بسبب غناهم، أما لو صالحوا على شيء؛ فإنه هو الذي يؤخذ منهم قل أو كثر، لأمر الله تعالى بالوفاء بالعقود والعهود.
والظاهر أن مقدار الجزية لا حد فيه، بل هو موكول إلى اجتهاد الإمام، وفي أثر عمر أخذ الجزية من المال الغالب عند من تضرب عليهم، ودل حديث معاذ الآتي على أنها تؤخذ من النقد أو غيره من العروض، ولا يكلفون شراء ما ليس عندهم، لأن الأصل أن يؤخذ من الناس ما بأيديهم، وظاهر كلام المؤلف سقوط ضيافة المسلمين عن أهل الجزية كما هو في أثر عمر، وقد نقل ابن المواز عن مالك أن الضيافة تطرح عنهم اليوم لأنهم لم يوف لهم!!، وسيأتي أن بعض السلف أسقط عنهم الجزية رأسا حيث لم يتمكن المسلمون من الدفاع عنهم، وفي هذا العصر يجوز أن يراعى في الجزية حاجة دولة الإسلام إلى السلع.