عن ابن عمر أنه أم وهو مسافر وأتم من وراءه، وفيه أنه كان يتم إذا ائتم بمقيم.
وأما اقتداء المسافر بالمقيم؛ فقد روى مسلم (٦٨٨) عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟، فقال:«ركعتين سنة أبي القاسم ﷺ»، وجه الدلالة منه قيد إذا «لم أصل مع الإمام»، وقول الصحابي عن ذلك إنه سنة له حكم الرفع، والظاهر شمول قوله سنة لصلاة ركعتين في حال الانفراد، والإتمام في حال الإئتمام، وقد روى الإمام أحمد ذلك عن موسى بن سلمة الهذلي قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت:«إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين»؟، قال:«تلك سنة أبي القاسم ﷺ»، وسنده صحيح كما قال الألباني في الإرواء.
فأما المسافة التي يقصر فيها؛ فهي في المذهب أربعة برد، جمع بريد، وهو مسيرة القافلة المثقلة يومين، أو يوما وليلة، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فتكون المسافة بالأميال ثمانية وأربعين، وقد اختلف في الميل على أقوال، منها أنه ألفا ذراع، ورجح ابن عبد البر أنه ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع، فيكون المجموع بالذراع حاصل ضرب (٣٥٠٠) في (٤٨) يساوي (١٦٨٠٠٠) ذراع، فإذا اعتبرنا طول الذراع نصف متر تقريبا كانت مسافة القصر (٨٤) كيلومترا، ثم إنهم راعوا الخلاف في مقدار الأربعة برد، فقال ابن القاسم إن من قصر في ستة وثلاثين ميلا لا يعيد، ومن قصر فيما دون ذلك أعاد.
أما عمدة القصر في أربعة برد؛ فما في الموطإ (٣٣٥) عن ابن عمر أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وذلك نحو من أربعة برد، ومنها أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره ذلك.
قال مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد، وفي الموطإ بلاغا أن ابن عباس يقصر الصلاة في مثل ما بين مكة والطائف، وفي مثل ما بين مكة وعسفان، وفي مثل ما بين مكة وجدة، قال مالك: وذلك أربعة برد، وفي صحيح البخاري:«وكان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخا»، لكن روي عن ابن عمر أقوال في مسافة القصر فيها مخالفة كبيرة لما ذكر، لا يطمأن معها إلى أن مسافة القصر التي يراها هي أربعة برد، لاسيما وهي أفعال، فلا يؤخذ منها عدم القصر فيما دونها، فيكون الحق هو