للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

٥٣ - «والنفر يقتلون رجلا فإنهم يقتلون به».

المراد بالنفر هنا الجماعة قلوا أو كثروا، أما في اللغة فيطلق على ما كان من الثلاثة إلى التسعة، وقيل إلى العشرة، فمتى ثبت ذلك عليهم ببينة أو إقرار، وتكافأت الدماء، وكانوا ممن يقتص منهم، لا فرق بين أن يباشروا القتل جميعا، أو يباشر بعضهم بحضور الآخرين متمالئين، فإذا كان الأمر كذلك قُتِلُوا جميعا، أما إن أمسك الواحد وهو يرى أن المباشر إنما يريد الضرب بما يضرب به الناس فقتله، فلا يقتل مع المباشر، بل يعاقب أشد العقوبة ويسجن سنة، هكذا قال مالك في الموطإ، وفيه عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة، وقال عمر: «لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا»، انتهى، والغيلة بكسر الغين وإسكان الياء الخديعة أي قتلوه سرا، وتمالأوا عليه وَتعاونوا عليه واجتمعوا على قتله، قال الشوكاني عليه رحمة الله في السيل الجرار (٤/ ٣٩٧): «قد علمنا من الحكمة في مشروعية القصاص للعباد أن فيه للناس حياة كما قال ﷿: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)[البقرة: ١٧٩]، ولو كان اجتماع جماعة على قتل واحد لا يقتضي ثبوت القصاص منهم لكان هذا سببا يُتذرع به إلى قتل النفوس، فإن الزاجر الأعظم إنما هو القتل لا الدية، فإن ذلك يسهل على أهل الأموال، ويسهل أيضا على الفقراء لأنهم يعذرون عن الدية بسبب فقرهم، فإذا كان القتيل ثبت قتله بفعلهم جميعا فالاقتصاص منهم هو الذي تقتضيه الحكمة الشرعية الثابتة في كتاب الله ﷿، ولهذا شبه الله قاتل النفس بمن قتل الناس جميعا، ورحم الله عمر بن الخطاب ما كان أبصره بالمسالك الشرعية وأعرفه بما فيه المصلحة الدينية العائدة على العباد بأعظم الفائدة،،، انتهى بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>