فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان»، وهو الذي كتب به عمر بن الخطاب إلى عماله أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا، إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية،،،»، وهو في (الموطإ/ ٥)، وفيه (٦) أنه كتب إلى أبي موسى: «أن صل الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية قبل أن يدخلها صفرة»، ووجه التحديد بنهاية القامة الثانية أن أول الوقت كان بها، فيكون آخره كذلك، ولأنه أمر ينضبط لا يكاد الناس يختلفون فيه، ووجه القول الثاني والله أعلم أنه نافع لمن لم يعرف الأول، أو لم يضبطه، وهما متقاربان، فالحمد لله الذي جعل لنا في الأمر سعة.
وقد حاول المؤلف ﵀ ضبط وقت العصر بأمر عملي لعله جربه، وهو أن يستقبل المرء الشمس بوجهه قائما معتدلا، ناظرا أمامه، فإن استوى بصرُه والشمسَ؛ فقد دخل وقت العصر، وإن كانت أعلى من مستوى بصره لم يدخل وقتها، وإن نزلت عن سمت بصره فقد تمكن دخول الوقت، وهذا مما جربه، وهو مقارب، فإذا استعمله المرء حيث لم يتمكن من غيره كفاه، ولا تثريب عليه في ذلك لأن الاعتماد على التجربة في مثل هذه الأمور ليس مذموما، ومما يستغرب شرح الشيخ بن عمر بن سداق لكلام المؤلف على هذا النحو:«غير منكس رأسك»؛ كالديك، «ولا مطأطئ له»؛ كالحمار،،،!!.
واعلم أن الوقت المذكور للعصر هو الذي لا ينبغي أن تؤخر عنه، ومن ثم جاء الوعيد الشديد على تأخيرها إلى الوقت الذي تكون الشمس فيه بين قرني الشيطان، فقد قال النبي ﷺ:«تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا اصفرت، وكانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا»، رواه مسلم عن أنس، وفي معنى قرني الشيطان أقوال حكاها الخطابي في معالم السنن، منها قوة الشيطان حينئذ لكونه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في ذلك الوقت وما ماثله من وقت قرب الشروق والاستواء، وقيل إن ذلك تشبيه، فإن تأخيرالصلاة إنما هو من تسويل الشيطان وتزيينه ذلك لفاعله.
ويظهر أن الشارع قد فرق بين تأخير صلاة الصبح إلى وقت الإسفار الأعلى، وبين تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، فذم فاعل الثاني دون الأول، جاء ذلك في حديث