للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق بينهما بين، والنبي لم يقاتل أبدا من كان معه في عهد ما لم ينكث عهده، أو ينقض، وقد أمره الله تعالى بالوفاء بالعهود، وأن ينبذها إلى أصحابها إن خشي منهم خيانة، وقد قال جماعة من الفقهاء إن الجهاد بعد فتح مكة؛ ليس بفرض، إلا أن يستنفر الإمام أحدا منهم، وممن قال ذلك سفيان الثوري، وعطاء، ومال إليه سحنون، وانظر الأحكام لابن العربي (١/ ١٠٣)، وتفسير البغوي (١/ ٢٠٢).

ومشهور المذهب أن قتال الكفار في الجهاد الكفائي مطلوب وإن خاف المجاهدون محاربا في طريقهم أو طُرُوَّه على مال أو حريم حال الاشتغال بالجهاد ولعلهم يريدون بهذا قطع ما قد يتعلل به المتكاسل عنه من الفتن التي في أرض الإسلام، وكثيرا ما يكون الدافع إليها الحفاظ على الملك، أو الاستيلاء عليه وافتكاكه ممن هو في يده، فيقدم القتال لأجل الدين على القتال لمجرد درء الاعتداء لما فيه من الحظوظ النفسية، والذي يظهر أن المقدم هو درء أعظم المفسدتين إن لم يمكن دفعهما معا، وذهب بعض علماء المذهب إلى أن قول النبي : «اتركوا الحبشة ما تركوكم،،، الحديث»، رواه أبو داود (٤٣٠٩) عن ابن عمرو، ومثله الحديث الذي فيه قوله : «دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم»، رواه أبو داود (٤٣٠٢) والنسائي عن رجل من أصحاب النبي ، قالوا إنما جاء هذا للإرشاد بتقديم الأهم على المهم بحسب الخطر واحتماله في ذلك الوقت، لا للإلزام.

ولا بأس أن نتأمل غزوات النبي التسع عشرة أعني التي خرج فيها مع الجيش، وقد قاتل بنفسه في ثمان منها، وكذلك غيرها مما لم يخرج فيه؛ لنعلم أنه لم يقاتل من كان من الكفار معه في سلم أو عهد، وقد كانت أولاها غزوة العشيرة ثم الأبواء ثم بواط، قصد بالثلاثة إلى اعتراض عير قريش التي كانت في حرب معه، فقد أخرجته وأخرجت أصحابه من ديارهم، واضطهدت ضعفاءهم، وقد توجت هذه الغزوات الثلاث بغزوة بدر الكبرى التي لم يخرج فيها المسلمون إلا لمثل ماخرجوا له من قبل، وهو غير ذات الشوكة، ومع ذلك أصيبت فيها قريش بهزيمة نكراء، فكان ذلك أعظم أسباب قدومها إلى المدينة بعد عام لأخذ الثأر مما لحقها ببدر، فكانت غزوة أحد، ولم تكتف قريش بالذي أصاب

<<  <  ج: ص:  >  >>