٠٦ - «ولا تتنفس في الإناء عند شربك ولْتُبِنِ القدح عن فيك ثم تعاوده إن شئت ولا تعب الماء عبا ولتمصه مصا».
جاء النهي عن التنفس في الإناء، وعن النفخ فيه، والتنفس ينشأ من عدم تقطيع الشرب ممن يحتاج إلى الكثير، والنفخ قد يحصل بغرض إبعاد شيء في الإناء يتقذر أو يؤذي، أو بغرض تبريد ما هو ساخن، وقد أثبت العلم أن الهواء حين يخرج من جوف المرء يكون محملا بثاني أوكسد الكربون، وفيه سموم فهو ضار وهذا موجود في التنفس والنفخ، وفي الأخير زيادة احتمال وصول شيء مما في فم المرء إلى الإناء، مع أنه إن فعل بحضرة الناس يتقذرونه، وقد ينقل إليهم مرضا، وحسبنا نهي نبينا ﷺ إذ قال:«إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء»، رواه الشيخان والترمذي عن أبي قتادة، وفي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس أن النبي ﷺ نهى أن يتنفس في الإناء، وأن ينفخ فيه»، وروى مسلم والترمذي وابن ماجة عن أنس أن النبي ﷺ كان يتنفس في الإناء ثلاثا، ويقول:«إنه أروى وأبرأ وأمرأ»، لفظ مسلم، فذكر هذه الفوائد الثلاثة، فتقطيع الشرب يروى معه الشارب أكثر مما يروى بالشرب دفعة، وأبرأ فهو أبعد عن أن يضر به إذا نزل إلى المعدة بقوة، وكثيرا ما يشرق به، ولأنه قد يكون شديد البرودة أو لغير ذلك، وأمرأ أي أن عاقبته سليمة، فإن الأكل والشرب قد يسلتذ ويستطاب أول الأمر ويكون في النهاية مضرا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾ [النساء: ٤]، وليس المراد من الحديث أنه ﷺ كان يتنفس داخل الإناء، بل معناه أنه كان يشرب شربا متقطعا ثلاث مرات ليتنفس، وقد ترجم عليه ابن ماجة بقوله:«الشرب بثلاثة أنفاس»، والمطلوب حينئذ أن يبين القدح عن فمه، وقد جاء ذلك مبينا أتم بيان في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ نهى عن النفخ في الشرب، فقال رجل: «القداة أراها في