٠٥ - «والطعام من الحبوب والقطنية وشبهها، وما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد، ولا يجوز فيه تأخير».
لقد علمت أن أنواع الربا ثلاثة، أما العلة فهي في ربا المزابنة الغرر، وفي ربا النسيئة مطلق الطعمية على وجه الغلبة، فيخرج ما يتداوى به، أما علة ربا الفضل في الطعام فهي الاقتيات والادخار، ومعنى الاقتيات قيام بنية الآدمي به، ومعنى الادخار عدم فساده بالتأخير إلى الأجل المبتغى منه، فخرج ما ادخر على غير وجه العادة كالبطيخ، والادخار عندهم إما بالشخص كالقمح، وإما بالجنس كاللبن، فإنه في حكم المدخر لعدم خلو الزمان منه، والظاهر أن المراد الادخار من غير وسيلة حفظ اصطناعية كالتبريد والتجميد، وسائر طرق الحفظ في هذا العصر، فما كان من الطعام كذلك فلا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه، كما لا يجوز فيه التأخير، وقد علمت أن كل ما لا يجوز فيه التفاضل يمتنع فيه التأخير، قال خليل:«علة طعام الربا اقتيات وادخار»، انتهى، والمماثلة تكون بالمعيار الشرعي إن وجد، فلا يخرج عنه خشية الوقوع في الربا، وقد قال النبي ﷺ:«المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة»، رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر، وهذا منه ﵊ إحالة على أهل المعرفة والتخصص، فإن أهل مكة كانوا أهل تجارة، وقد ذكرت رحلتا قريش في الشتاء والصيف في كتاب الله، والأصل في أثمان الأشياء يومئذ الذهب والفضة وهي توزن، فمعايير المكيين أكثر ضبطا، وسكان المدينة كانوا أهل زرع، وفي صحيح البخاري تحت ترجمة (الزراعة في الجنة) قول بعض المهاجرين عن الأنصار: «إنهم أهل زرع، أما نحن فلسنا أهل زرع»، والأصل في الزرع الكيل، فكان الاعتماد على معيارهم في الكيل مقدما، وقد غدت المقاييس اليوم فرنسية أو إنجليزية، ونعود فنقول وعليه فلا يباع قمح بمثله وزنا لإمكان اختلاف كثافتيهما، ولا نقد بمثله كيلا، فإن لم يحفظ