للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه بالنظر في الأولى وبتدبر الثانية، والمراد أن الناظر في الآيات الكونية يتوصل بالتأمل فيها إلى معرفة بارئها وخالقها، لكن من اهتدى بهذا وحده قليل كما ترى ذلك في الكفار، فإن علماءهم مع توغلهم في معرفة أسرار المخلوقات لم يهتد منهم بذلك إلا القليل، هم مستغرقون في الصنعة غافلون عن الصانع، فبداية الهداية ترجع إلى ما أنزل الله من الكتب، وما أرسل من الرسل، والنظر برهان على ذلك، قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)[يونس: ١٠١]، والناظر في الآيات المنزلة يعرف بتدبرها وتأملها صفات ربه وأفعاله، وأحكامه.

قال أبو الحسن: «بآياته العقلية والشرعية، فالعقلية مخلوقاته، وهي العالم بأسره، وهو ما سوى الله، والشرعية آيات كتابه، وأدلة خطابه»، انتهى.

قوله: «ولا يتفكرون في ماهية ذاته»، بينه وبين قوله: «لا يبلغ كنه صفته الواصفون»، مناسبة، فإنه لما نفى إمكان إدراك كنه صفاته سبحانه؛ قفى بنفي مشروعية التفكير في ماهية ذاته العلية، فإنه إذا امتنع إدراك كنه الصفه، فما فائدة التفكير في الذات الموصوفة بتلك الصفة؟، لا ريب أن ذلك أبعد أن يبلغ كنهه.

وقد انتزع المؤلف هذه الجملة والتي قبلها أو وافق قول النبي : «تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله» (١)، وفي حديث آخر وهو أعم من السابق: «تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله» (٢)، وهما في صحيح الجامع الصغير للمحدث الألباني، وفيهما الأمر بالتفكر في مخلوقات الله عموما، وفي نعمه التي لا تحصى على عباده خصوصا، لأن التفكر فيها يتوصل به إلى الاستدلال على عظمة باريها وبديع صنعه وقدرته وحكمته، ويدعو إلى ذكره وشكره، كما أنه سبيل إلى اكتشاف أسرارها التي أذن الله بإطلاع عباده عليها، فإنه من جملة السبل لتسخير ما أذن الله في تسخيره منها، والانتفاع أكثر بها، وفي ذات الوقت ففي الحديث النهي عن إهدار طاقة الفكر فيما لا يرجع بطائل على الإنسان، وذلك


(١) رواه أبو الشيخ والطبراني في «الأوسط» عن ابن عمر، وانظر «الصحيحة» (١٧٨٨).
(٢) رواه ابو نعيم في الحلية عن ابن عباس، وانظر «الصحيحة» (١٧٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>