٠٩ - «والقمح و الشعير و السلت كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم».
شرع هنا يبين ما كان من المطعومات جنسا واحدا، وما كان منها أجناسا لانبناء امتناع التفاضل على ذلك، والسُّلْتُ بضم السين المهملة وسكون اللام، حَبٌّ بين القمح والشعير لا قشر له، ومعتمد المذهب في هذه الثلاثة أنها جنس واحد في باب الزكاة كما تقدم وفي البيع، فلا يجوز بيع الواحد منها بغيره متفاضلا ولا نسيئة، ومن الحجة لهم في ذلك أن منافعها واحدة أو متقاربة، ولتقاربها في المنبت والمحصد، ولاشتهار اتحاد القمح والشعير في الجنسية في المدينة، بل إن الباجي طعن في حديث عبادة بن الصامت من حيث ثبوته ودلالته وهو الدال على خلاف ما ذهبوا إليه، فقد قال في المنتقى (٥/ ٣) عن بيع الحنطة بالشعير متفاضلا بعد ذكر من منع منه من الصحابة: «ولا يعلم لهما في ذلك مخالف من الصحابة إلا ما روي عن عبادة بن الصامت حديثا مرفوعا، وليس بالثابت مع ما يحتمل من التأويل»، انتهى، وهو يقصد سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، ومعيقيب الدوسي، ومن الحجة لمالك فيما ذهب إليه حديث معمر حين أرسل غلامه بصاع قمح فقال بعه، ثم اشتر به شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرا أخبره بذلك، فقال معمر:«لم فعلت ذلك»؟، انطلق فرده، ولا تأخذن إلا مثلا بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله ﷺ يقول:«الطعام بالطعام مثلا بمثل»، وكان طعامنا يومئذ الشعير، قيل له:«فإنه ليس بمثله»، قال:«إني أخاف أن يضارع»، انتهى، رواه مسلم (١٥٩٢)، ولا حجة فيه على المدعى، فإن دخول الشعير في الطعام لا يدل على ذلك، فيقيد بما كان من جنسه رعاية لما دل عليه حديث عبادة، ولأن الظاهر من كلام معمر أنه من باب الاحتياط والتورع يدل عليه قوله:«إني أخاف أن يضارع»، يعني يشابه، نعم التوقي في هذا الباب مطلوب متى قامت الشبهة، وليست هنا كذلك، يدل على الأول قول