حديث الدارقطني من الضعف، لأن حديثه مستقل بذكر الوزن والكيل علة، وتلك الأحاديث جاء ذكر الوزن والكيل أو أحدهما فيها في سياق الربويات المتفق عليها، فيخص ما يكال أو يوزن بالسياق، والتخصيص بالسياق قال به فريق من أهل العلم، وقد ذكرت شيئا من هذا في التعليق على حديث إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب في باب الصيام فانظره إن شئت، كما بينت ذلك في رسالة مستقلة أسميتها لا دليل على المنع من بيع الذهب والفضة بالعملات المعاصرة إلى أجل.
ومن الذين لم يقولوا بالقياس أو لم يترجح عندهم شيء في المسألة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي كما في الفتاوى السعدية في موضع منها، على أنه في موضع آخر منها رأى القياس، ومع هذا الذي رأيته من ترك كثير من أصحاب القياس له في هذه المسألة فقد قال الشيخ صديق حسن خان في الروضة الندية (٢/ ٣٩٠): «ومع هذا فإن هذا الإلحاق قد ذهب إليه الجمع الجم، والسواد الأعظم، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية»، انتهى.
أما القائلون بالقياس فقد اختلفوا في علته على مذاهب، وأقل هذه العلل سلامة من الانتقاض الاقتيات والادخار مع الملح في المطعومات، والتثمين في غير المطعومات، ولنشر إلى بقية العلل التي قيل بها، ولما كانت المذكورات في الحديث جنسين أثمانا للأشياء وطعاما فلنذكر ذلك علما بأن بعض العلل مشترك وبعضها خاص.
١ - فمن الخاص بالنقدين مطلق الثمنية، وصاحب هذا القول نظر إلى أن الذهب والفضة وإن كانا أثمانا للأشياء وقيم المتلفات إلا أنهما لم ينفردا بذلك، بل شاركتهما في العلة الفلوس، فيدخلها الربا لتوفرها على العلة، وهذا هو مشهور المذهب، وقال به الشافعية، وهو قول لأحمد، قال ابن القيم ﵀:«وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وهذا هو الصحيح بل الصواب،،،»، انتهى المراد منه، وفي المدونة (التأخير في صرف الفلوس) قلت: «أرأيت إن اشتريت فلوسا بدراهم فافترقنا قبل أن نتقابض؟، قال: «لا يصلح هذا في قول مالك، وهذا فاسد، قال لي مالك في الفلوس: لا خير فيها نظرة بالذهب، ولا بالوَرِقِ، ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لهم سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والوَرِقِ نظرة»، انتهى.